الوعكة العاطفية

TT

في دراسة أجرتها إحدى الباحثات، أن الذين يعانون أمراضا قوية يعزون تحسن حالتهم إلى الممرضات المرحات. وقد بدأت برامج «التمريض الضاحك» تغزو المستشفيات في العالم وبعضها يعرض الأشرطة المسلية على شاشات التلفزيون داخل غرف المرضى، والبعض يلقن الممرضات الطرائف والنوادر لروايتها على المرضى يوميا.

لا ادري من هي هذه الباحثة المتفائلة المبتسمة بدون معنى، لكي أقول لها بدون أية مجاملة: إن دراستك وكلامك ذاك كله (خرطي x خرطي).. واسأليني أنا يا محاكيك، لقد دخلت المستشفى منوما، لا لكي آخذ تعسيلة، لكنني كنت منوما بحق وحقيق، رغم اني ولله الحمد من اقل الناس أمراضا، وأخاف من المستشفيات خوفا جنونيا، وان شئتم، رهابيا إرهابيا.. أحاول بقدر ما أستطيع أن أتحاشى المرور في أي شارع به مستشفى واكره رائحة العقاقير وأصافح الأطباء بأطراف أصابعي، ولكنه إن شئتم رهاب إرهابي، وكأن الواحد منهم سوف يجري لي عملية (الزائدة الدودية)، رغم ان بعضهم من اخف المخاليق دما ووزنا وعقلا كذلك، وفيهم الأعز الأعز من أصدقائي ولكن بالمراسلة والتلفون.

اني امرؤ جبلت على أن أحيا (يومي بيومي)، ومن لا يعرفني يتصور انني إنسان وظيفته فقط (العلف)، والمشكلة ان (99.9%) من الناس لا يعرفونني، والنسبة الضئيلة التي تكاد تعرفني (تتهكم) أحيانا عليّ وهذه هي المصيبة.. ولكنني مع ذلك لا اهتم أبدا طالما أنني أنام (مطرح ما يجي بعيني النوم)، أنام وأنا غير مرتاح وغير مطمئن ومتوقع في أي لحظة أن هناك عبوة متفجرة تحت سريري.. هذا هو حالي البائس السعيد.

وارجع إلى أول المقال، وأقول: إنني مررت بتجربة مرضية ـ الله لا يعيدها ـ كانت تلك التجربة هي: مجرد (وعكة عاطفية)، تطلبت دخولي إلى المستشفى على وجه السرعة، وفعلا نقلتني سيارة الإسعاف، وكنت طوال الطريق اسمع (ونانها)، وكأني اسمع عزف (الكمنجة) في إحدى مقطوعات (موزارت)، وعندما وضعوني على النقالة وأدخلوني الغرفة، كنت بطبيعة الحال (اهذي) وأتلفظ بكل أسماء حسان الدنيا ابتداء من بكين إلى موزامبيق، مرورا ببلاد العرب والعجم وزرق العيون.. وتوقعت مثلما قالت تلك الدراسة التي أجرتها الباحثة المصونة أن أجد ممرضة (مرحة)، وفعلا وجدت تلك الممرضة المرحة جدا، غير أنني عندما أشاهد ضحكتها، أو بمعنى أصح (قهقهتها)، وأسنانها التي لا ادري كيف ركبتها فوق بعضها البعض، أدير على وجه السرعة وجهي، ومع ذلك لا تريد هي أن تعتقني، وإذا قلت لها أرجوك أريد أن أستريح خليني في حالي، تعتقد أنني امزح معها، فتتمادى في غيها ومرحها وكأنني (أزغزغها).

إنها تجربة لا أستطيع أن احكيها على الملأ بكل حذافيرها، وإنما ببعض حذافيرها، ومن بعض هذه الحذافير، إنني هربت من تلك المستشفى بسبب مرح تلك الممرضة الزائد عن الحد، لأن مرحها لم يعد كلاما ولا ضحكا ولا نكات وإنما وصل إلى درجة (المعافرة بالأيادي).

والحمد لله أنني شفيت بعد ذلك من تلك الوعكة السخيفة، على يدي أنا وحدي، وكنت (الطبيب المداوي) لحالي.