العراق وإدارة بوش

TT

لن يكون الوضع في العراق العامل الحاسم في خسارة الرئيس الاميركي جورج بوش او فوزه في الانتخابات الوشيكة، لكنه بالتأكيد سيكون احد العوامل الثانوية التي تقرر ما اذا كان الرئيس الجمهوري سيمكث اربع سنوات اخرى في البيت الابيض او انه سيخليه لمنافسه الديمقراطي جون كيري.

الرئيس بوش كان يمكن ان يجعل من الوضع العراقي بطاقة قوية لتحقيق فوز سهل للغاية، بالمقارنة مع فوزه الصعب جدا منذ اربع سنوات امام الديمقراطي آل غور، لو ان ادارته ادارت على نحو حسن الوضع العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين وتجنبت الاخطاء والخطايا الكبيره التي ما انفكت ترتكبها في العراق.

وكيما نكون موضوعيين لا مناص من الاقرار بأن ادارة بوش لا تتحمل وحدها المسؤولية عن هذه الاخطاء والخطايا، فبعضها ناجم عن اخطاء كبيرة وقعت فيها الادارة السابقة برئاسة الديمقراطي بيل كلينتون، ومنها التمسك بسياسة الحصار الاقتصادي التي انهكت الشعب العراقي تماما فيما ظل صدام حسين قادرا على اختراقها، علنا في أحيان كثيرة، وتأمين موارد مالية كبيرة له لمواصلة السيطرة على العراق. ومنها ايضا التدخل السافر في شؤون المعارضة العراقية وفرض اشخاص وجماعات هامشية عليها، ما ادى الى شق صفوف المعارضة وإضعافها والى تلاشي فرص تغيير نظام صدام داخليا، سلميا او بوسائل القوة، والى الحؤول دون قيام تحالف سياسي واجتماعي واسع يؤمن البديل المناسب لنظام صدام يتولى إدارة العراق فور سقوط ذلك النظام.

لكن ادارة بوش تقع عليها ، بطبيعة الحال، المسؤولية عن اتخاذ القرارات الخطيرة في خصوص الوضع العراقي الراهن، ومنها خصوصا ان الحرب هي الوسيلة الوحيدة للخلاص من صدام ، فضلا عن تشديد تدخلها في شؤون المعارضة عشية الحرب وفرضها على هذه المعارضة صيغة هجينة لتحالفها انعكست على الادارة العراقية التي ظهرت في ظل الاحتلال وكانت، وما زالت، ادارة ناقصة التمثيل والشرعية والمصداقية علاوة على أنها ناقصة الصلاحيات.

قبل الحرب ارتفعت اصوات عراقية غير قليلة محذرة من الاعتماد على الحرب خيارا وحيدا، ومن نهج الوصاية على قوى المعارضة. ورأت هذه الاصوات ان افضل خدمة يمكن للولايات المتحدة ان تقدمها الى الشعب العراقي آنئذ هي ان تترك معارضي صدام وشأنهم في ما يتعلق بترتيب اوضاعهم وتحديد صيغة تحالفاتهم.

والآن ايضا يمكن للولايات المتحدة ان تقدم خدمة كبيرة للعراق والشعب العراقي بان تترك الحكومة والقوى السياسية العراقية وشأنها في تقرير ما يتعين القيام به لتنفيذ جدول الاعمال الذي تكفلته الحكومة لإقرار الأمن، المطلب الرئيس للعراقيين هذه الايام، وانطلاق عملية إعادة الإعمار، وذلك بإبعاد قواتها عن المدن الآمنة، وهي كثيرة، وتمكين قوى الأمن العراقية من القيام بدورها في معالجة ظاهرة العنف والارهاب التي تفاقمها تصرفات قوات الاحتلال وتدخلات الدول المجاورة، ووقف سياسة العقاب الجماعي للمناطق التي تقع فيها اعمال العنف والارهاب، ووضع حد للتدخل الاميركي في كل صغيرة وكبيرة مما هو من اختصاص الحكومة العراقية وسواها من المؤسسات الوطنية.

إدارة بوش، باعتبارها صاحبة القرار في شن الحرب ووضع العراق تحت سيطرة الولايات المتحدة، مسؤولة، ادبيا وقانونيا، عن مساعدة العراق على استرداد عافيته في اسرع وقت ممكن. وبوسعها ان تحقق هذا حتى في غضون الاسابيع القليلة المتبقية على انتخابات الرئاسة الاميركية لتجعل من الوضع العراقي عاملا يساعد في ترجيح كفة بوش على كيري إن هي تفحصت اخطاءها وخطاياها واستمعت جيدا الى نقادها من العراقيين خصوصا.