الثقاب والهشيم

TT

في لبنان هشيم يبحث عن عود ثقاب. والحراقون يبحثون دوما عن ضحية غير متوقعة ولا شأن لها في ما بين الثقاب والهشيم. ومثل مروان حمادة، في هذا الباب، مثل اطفال بغداد. ابرياء تحولهم المؤامرة الى اداة للتخويف. ومطمئنون تحولهم الى نافورة دماء. واسوأ ما يحدث لبلد صغير مثل لبنان، ان تتذكرهم الامم. وكان لبنان سعيدا حين كان منسيا. لكن فجأة تلاحقت الاحداث التي يخافها واصبح في عين العاصفة من جديد.

وتحولت وفاة السجين اسماعيل الخطيب الى هزة سياسية. واعلن اهل بلدته انهم سوف يغيرون اسمها من «مجدل عنجر» الى «فلوجة لبنان». وذهبوا الى الحدود اللبنانية واحرقوا مكاتب الامن العام واغلقوا الطريق الدولية.

ماذا في المسألة؟ «قاعدة» ام «فلوجة» ام حادث غير مقصود تحوّل الى قضية؟ لقد تلاحقت هذه الاحداث في وقت كان لبنان (وسورية) ينتظر صدور تقرير كوفي انان حول القرار 1559. وجعل مجلس الامن من نفسه مجلس وصاية في اول خطوة من نوعها في تاريخه. فليس من عادة المجلس ان يقرر من يكون رئيس هذه الدولة او تلك. ومن هي الدول التي تحترم دساتيرها والتي لا تحترم. ودخل لبنان في ازمة دولية ومحلية فوق طاقته. وجاء تفجير «مجدل عنجر» او «فلوجة لبنان» يزيد المخاوف ويعقد المسألة.

وقد يكون اسماعيل الخطيب توفي فعلا تحت التعذيب، وقد لا يكون. «فالطب الشرعي» قادر على تحديد المسؤولية. كما ان حال السجون في لبنان مزرية ومؤسفة بسبب ازدحامها وسوئها. لكن ذلك لا يبرر اعلان «فلوجة» في البقاع، ولا استقالة وزير مشهود له بالنجاح في حكومة من 30 وزيرا معظمهم عاطل عن العمل. على ان لبنان لا حاجة به الى «فلوجة» جديدة. فقد كان اول من دفع ثمن الفلوجات في العالم العربي، واول من فقد 200 الف انسان في الحروب الاخوية. واول من شهد هجرة وتشرد نحو مليون ونصف المليون شخص، لان كل فريق اراد رفع علم فلوجته فوق رقعته، او خرقته.

محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، اثمان. الاول اختيار رجل ثمة اجماع على مساره الوطني وخلقه التوافقي، والثاني محاولة اغتيال السلم الاهلي الذي يتمتع به لبنان منذ عقد ونصف. وصاحب الجريمة يريد تصويرها استهدافا للزعيم وليد جنبلاط لكي يزرع الفوضى والقلق. لكن جنبلاط اذكى واعمق من ان يؤخذ بفضاحة الغاية ودناءة الاسلوب. وافضل ما يمكن ان يحدث للبنان الآن هو اكتشاف الفاعل او الفاعلين وتقديمهم الى المحاكمة. ولعل ذلك يقنع اهالي اسماعيل الخطيب وبلدته بانه لا ضرورة لفلوجة اخرى، ما دام القانون يطال الجميع.