زحف «قاعدي» مكثف نحو العراق

TT

ينقل تنظيم القاعدة قسما من مقاتليه في منطقة القبائل على الحدود بين باكستان وأفغانستان الى العراق. وتفيد الصحف الأميركية نقلا عن مصادر الدوائر الدبلوماسية والاستخبارات، بأن الأمر صدر بذلك بعد القصف الجوي لهذه المنطقة، الذي تواصل على مدى بضعة ايام، والهجمات البرية للجيش الباكستاني. ولا بد من القول ان السلطات الباكستانية وجهت مرغمة الضربات الى منطقة القبائل. فهي من جانب لا تريد ان تكون لها خلافات جدية مع الولايات المتحدة، التي توجه اللوم الى اسلام آباد بسبب عدم قيامها بخطوات فعالة ضد حركة طالبان والقاعدة المتمركزتين في هذه المنطقة. على أي حال فأن مثل هذا اللوم وجه اليها مرارا على صفحات الصحف الأميركية. وفسر سبب «تحفظ» باكستان حيال المتطرفين والإرهابيين، في جانب منه، كما يبدو، بأن الاستخبارات العسكرية الباكستانية بالذات، هي التي شكلت حركة «طالبان». علما ان المخابرات الأميركية ساعدتها في ذلك. لكنهم لا يريدون في الولايات المتحدة التحدث عن هذا الآن.

وهذا ما حدث بالضبط. لكنني أود في تعليقي اليوم، التركيز بصورة اساسية، ليس على دوافع العمليات العسكرية الباكستانية في المنطقة الحدودية، فما يكتسب أهمية اكبر بالنسبة لي، وربما بالنسبة للعديد من قراء «الشرق الاوسط»، هو العواقب المحتملة لإصدار القاعدة الأمر الى مقاتليها بالانتقال الى العراق. علما بأن نقل المقاتلين ـ الإرهابيين من منطقة القبائل الباكستانية يجري فعلا. وقد ذكرت صحيفة « فاينانشال تايمز» البريطانية المتنفذة، ان المقاتلين ينقلون الى العراق من جنوب محافظة وزيرستان. ماذا يعني ذلك وما هي عواقبه المحتملة؟

اولا ـ ان ما يحدث يؤكد مرة اخرى، ان العملية الأميركية في العراق لم تؤد الى تصفية النشاط الارهابي في هذه البلاد، بل انها تساعد موضوعيا على زيادته.

ثانيا ـ يدل انتقال مقاتلي القاعدة من اراضي باكستان الى اراضي العراق مرة اخرى، على ان الارهاب الدولي يعمل بموجب قاعدة «الاواني المستطرقة». فرؤوس الجسور الرئيسية لتنظيم القاعدة هي افغانستان وكوسوفو والشيشان، والآن العراق. وجرى اعادة تجميع مقاتليها في هذه الاماكن.

ثالثا ـ ان اقامة احد مراكز النشاط الارهابي لتنظيم القاعدة في العراق، يتسم بعواقب سلبية جلية للعيان. اذ تنضم الى حركة مقاومة الاحتلال الاجنبي قوى ارهابية تقوم بتفجيرات بين المواطنين المسالمين، وتختطف الرهائن من الاجانب والعرب، وتنكل بهم بوحشية. وهذا يضعف بجلاء حركة المقاومة ويكسبها صبغة غير مميزة لها.

ومن الطبيعي والمحتمل، ان يقود هذا كله الى اضعاف الدعم الخارجي للمقاومة العراقية، التي يتعاطف معها الكثيرون في الوقت الحاضر. فهل يستطيع هؤلاء، الكثيرون جدا، الاحتفاظ لمدة طوية بتعاطفهم مع حركة ينضم اليها ارهابيون؟ طبعا لن يمس هذا القوى السليمة التي ترفض وسائل الارهاب، وتناضل في سبيل ان يبقى العراق دولة موحدة ذات سيادة. كما ان انتقال مقاتلي القاعدة الى العراق، يمكن ان يزعزع الاوضاع في البلدان المجاورة، مثل سورية وإيران. كما يمكن ن يضعف ذلك مواقع الفلسطينيين في عملية تسوية أزمة الشرق الاوسط، لأنه يخدم اولئك الذين يحاولون تصوير حركة المقاومة العراقية وكذلك الفلسطينية، على انهما تكادان تكونان حركتين ارهابيتين.

رابعا ـ تؤكد الاحداث المرتبطة بنقل المقاتلين من الاراضي الباكستانية الى العراق مرة أخرى، ان أمن العالم المعاصر لا يقبل القسمة، ولا يمكن ضمانه إلا بالجهود المشتركة للمجتمع الدولي بأسره. واعتقد بأنه يجب ان يكون للدول العربية دور خاص في جبهة مكافحة الارهاب. وبهذه الصورة فقط، يمكن التصدي بحزم الى الخطط الغادرة لمن يريد تقسيم العالم اليوم على اساس حضاري وديني، وتجزئته الى شطرين اسلامي وغير اسلامي.

خامسا ـ ان تقوية العنصر الارهابي في العراق، يمكن ان تحبط الانتخابات المقبلة في هذه البلاد. وقد اعلن دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الأميركي، ان عدم اجراء الانتخابات في بعض مناطق العراق امر ممكن فعلا. ومن الواضح بأن ما يقف وراء مثل هذه التصريحات، ليست المخاوف بشأن احتمال عدم اجراء التصويت في الاماكن التي تجري فيها معارك مع الثوار، بل السعي مسبقا الى تبرير النتائج غير الشاملة وغير العامة للانتخابات في العراق. وقد يساعد في ذلك نقل مقاتلي القاعدة الى العراق.

* رئيس وزراء روسيا الأسبق

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»