هل الأميركيون أغبياء؟

TT

ربما كان الاجدر أن نسأل اولا ان كان العراق محظوظا ام منكوبا؟ وهذا السؤال مبني على فرضية تقول ان العراق، حتى بدون الغزو، كان سيمر بمرحلة حرب او انهيار بسبب تآكل نظامه وتكاثر خصومه. هل هو في وضع افضل اليوم مما يمكن ان يكون عليه لو جاءت الأزمة باطراف اخرى؟

هناك من هم على قناعة تامة بأن العراق كان منزلقا تجاه السقوط نتيجة حصاره الطويل وتفكك اقاليمه. كان مرشحا ان ينتهي الى ما آل اليه الصومال مفككا، او ان يستمر كالكونغو في اقتتال، او ينسى مثل سيريلانكا العاجزة عن لجم حربها الداخلية. كل هذه الدول تدفع رقما كبيرا من الضحايا وتحصل على اهتمام منخفض من المجتمع الدولي.

اعتقد ان العراق اقل كارثية، اذا سلمنا جدلا بمقولة انه كان عرضة للانزلاق حتى بدون وقوع الغزو. او ربما علينا ان نقول ان الولايات المتحدة دولة غبية لانها تتحمل الثمن كاملا، بصفة لم تعرف مثلها الحروب من قبل. الف قتيل من ابنائها و138 مليار دولار تكاليف تبخرت في الهواء. ما الذي ستحصل عليه مقابل هذا الدم والدولارات؟ الحقيقة يستحيل تحصيلها ماديا. فالعراق حتى لو قرر الاميركيون سرقته، وهذا امر مستحيل، فسيحتاجون الى سنين طويلة لتحصيل الفاتورة بدون فوائد. وحتى لو قرروا تغريم الدول العربية مجتمعة فإن ما دفعوه في عام واحد يفوق ميزانية 14 دولة عربية مجتمعة.

الا تعتقدون معي انهم اغبياء بأن يرسلوا اولادهم للموت ويدفعوا أيضا ثمن الحرب ويتحملوا تكاليف تأسيس حكومة عراقية، مقابل ماذا؟ في افضل الحالات قيام حكومة صديقة. في منطقتنا تعودنا العكس، تغزو الدول من اجل ان تغنم وتدفع الأمة «المضيفة» كل التكاليف، والحذاء فوقها صاغرة، وصحافتها تشيد بالمواقف الاخوية.

نعم في العراق حرب موجعة لكن العالم مليء بحروب اكثر ايلاما، فضحايا حرب سيراليون اكثر من ستمائة الف شخص، وحرب جنوب السودان نحو مليوني انسان، وانغولا اكثر من نصف مليون قتيل منذ عام 1991. الفارق ان لا احد يريد ان يفعل شيئا لهذه الدول المنكوبة بالحروب، المهملة دوليا. اما العراق فان المعركة الحالية رغم ضراوتها تهدف في آخر المطاف الى نظام سياسي مركزي يحافظ على وحدة العراق، وهو ان لم يرض كل العراقيين فسيظل افضل الحلول للأغلبية. ومن يقرأ المواقع الالكترونية الاميركية المعارضة للحرب، وهي كثيرة، يجد انها تبني اعتراضها بشكل اساسي على مسألة جوهرية واحدة، ان العراق لا يستحق كل هذا الثمن، المكلف على جيب المواطن الاميركي. وتروج معظمها الى ان الاجدر بحكومة الرئيس جورج بوش ان تنفق مخصص الحرب الذي وافق عليه الكونجرس، 170 مليار دولار، على صحة مواطنيها او تعليم ابنائهم، مستغربين انهم وحدهم يدفعون ثمن اسقاط صدام وبناء عراق جديد. النتيجة ان الاميركي صياد غير بارع والطريدة ارنب صغير.

[email protected]