كلفة المدنية

TT

هذه حدوتة تصلح لفيلم كوميدي رائع. ولكنني لست مخرجا سينمائيا لاخرجها. فدعوني ارويها كطرفة من طرائف الواقع ان دلت على شيء فهي تدعم الاعتقاد الشعبي بأن من يرتكب اثما لا يفلت من عقاب ربه ولو بعد ابن الابن.

تمرد في القرن التاسع عشر بحارة السفينة باونتي واعلنوا العصيان، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الانجليزي بالاعدام. وبعد ان قمعت الثورة، هرب هؤلاء البحارة الى جزيرة صغيرة جدا في المحيط الهادئ. سكونها كمستعمرة بريطانية وجاءوا بعدد من النساء ليعشن معهم. بلغ عددهم الآن نحو ثلاثمائة شخص. وبالنظر لقلة عدد النساء بينهم فقد اعتادوا على العيش باسلوب اباحي يتضمن الاغتصاب والزواج بالصبيات القاصرات. هكذا اقيم مجتمعهم وجرى العيش فيه بسلام حتى جاءتهم شرطية بريطانية لتدرب عددا منهم على خدمات الشرطة. وكانت غلطة كبيرة من السكان ان طلبوا من لندن ترتيب هذه المهمة. فما ان وصلت هذه الشرطية الى هذه الجزيرة المعروفة باسم بتكيرن، حتى اكتشفت ما كان يجري فيها من اغتصاب واباحية وزواج بطفلات مما يعتبر جريمة حسب القانون. قدمت تقريرها للمسؤولين في لندن فقرروا احالتهم جميعا الى المحكمة. ولكن لم تكن في الجزيرة اي محكمة او سجن او قضاة. فرصدوا المبالغ الكافية لبناء محكمة وسجن في الجزيرة وارسال قضاة ومحققين ومحامين وسجانين من لندن. وكلفوا السكان ببناء المحكمة التي ستقوم بمحاكمتهم والسجن الذي سيسجنون فيه.

سمعنا كيف ان النازيين امروا اليهود بحفر القبور التي سيدفنون فيها بعد قتلهم. والآن نسمع عن مواطنين انجليز يبنون السجن الذي سيسجنون فيه! ليس في جزيرة بتكيرن النائية اي مطار او طرق او ميناء بحري. السبيل الوحيد للوصول اليها يتم بزوارق صغيرة تبحر اليها من استراليا. وهو ما جرى للقضاة والمحققين والمحامين والطبيب العدلي، الذين بعثت بهم الحكومة البريطانية لمحاكمة هذا النفر من مواطنيها الاباحيين. ولكن الزورق الذي نقل هذا الفريق القضائي اصطدم بالصخور المحيطة بالجزيرة المعرضة للعواصف العاتية. وسقط كل من فيه في البحر. ولكن السكان الكرماء الشهماء خفوا اليهم فأنقذوا الهيئة القضائية التي جاءت لمحاكمتهم وسجنهم. انها واقعة اصيلة من وقائع الروح الرياضية السبورتمانشب للشعب الانجليزي. اغاثوهم وبدلوا ملابسهم وجاءوهم بشوربة حارة لتدفئتهم. واجلت المحاكمة الى حين ان تجف ملابسهم الرسمية ويستعيد القضاة صحتهم.

قدرت الصحف البريطانية ان معاقبة هذا النفر من الاباحيين ستكلف الخزينة عدة ملايين من الباوندات. ولكن على الاقل ستعمر الجزيرة ويكون فيها سجن وسجناء، وهذه كما يبدو هي الميزة التي تتميز بها الحضارة والحياة المدنية. ولكن بالي بقي على الحريم. اذا سجنوا كل رجال هذه الجزيرة، فماذا سيحصل للنساء؟ اشير لذلك من باب التذكير لمن يبحثون عن زوجات شقراوات.

www.kishtainiat.com