من يذكر تلك الأيام..؟

TT

شاخ حنا مينه وما يزال كتابه «من يذكر تلك الأيام؟» شابا، فنصر أكتوبر (تشرين الأول) يبدو على شاشة ذكرياتنا من قلة الانتصارات العربية المعاصرة وكأنه حدث يوم أمس أو الذي قبله. وإن شاءت الأجيال الجديدة كلمة حق فان الجيل الذي قبلنا لم يشهد لحظة اعتزاز قومي الا يوم السويس في حين ظل نصر 1973 هو الذكرى الحربية المشعة الوحيدة عند جيلنا.

كتاب حنا مينه كان تأليفا مشتركا مع وزيرة الثقافة السورية قبل السابقة نجاح العطار وفيه روايات الأبطال الذين شاركوا في تلك الحرب ومعظمهم ما يزال على قيد الحياة، ولكن ليس في المكان الذي نتوقعه للأبطال العسكريين، فالقائد الذي احتل قمة جبل الشيخ وصمد فيها عدة أيام يقاتل مع رجاله بالسلاح الأبيض يعيش في قريته يفلح ويزرع البقدونس والبصل مع انه ما يزال في شرخ الشباب وعنده الكثير مما يعطيه للجيش وللوطن.

الفريق سعد الدين الشاذلي ليس في شرخ الشباب لكنه ايضا أحد أبطال حرب اكتوبر الذين تم عزلهم مبكرا، فلحظة الحرب العربية كما هي منذ القرون الغابرة لا تتسع الا لشخص واحد المفروض ان تتسلط عليه وحده الأضواء كلها وان يتوارى الجميع اكراما له مع أن الحرب عمل جماعي يتسع لعدة أبطال وقادة.

لقد سمعت من الفريق الشاذلي في القاهرة قصصا تدعو الى الاعتزاز عما حصل على الجبهتين المصرية والسورية في أكتوبر 1973 ويبدو أن الفريق المتقاعد دون ارادته أراد ان يجامل ضيفه السوري فأكثر من الحديث عن بطولات الجبهة السورية وحكى عن المهندس السوري مروان الذي ساعدت خبرته في تحسين خطط العبور المصرية ووقف طويلا عند ما جرى على قمة جبل الشيخ بقيادة محمد الخير، مؤكدا أن تلك المعركة الفريدة تدرس حاليا في أرقى الكليات العسكرية العالمية كواحدة من أبرز معارك الاقتحام من الجو بعد الحرب العالمية الثانية.

ومع كثرة قصص الأبطال وكثرة الرواة الذين ما يزالون على قيد الحياة لا تجد في سوق الكتاب العربي الكثير مما يحكي عن حرب اكتوبر المجيدة وانتصاراتها وملابساتها المكائدية التي أحالت النصر العربي الى شبه هزيمة، فالفريق الشاذلي في حديث مسجل مع ـ المكبتر لا المحبر ـ اعترف بأن القيادة المصرية خدعت القيادة السورية أثناء الاعداد للحرب وأكدت لها انها ستستمر في المعارك بعد احتلال الممرات مع أن الخطة الأصلية التي أقرها العسكريون المصريون بحضور الرئيس السادات والفريق الشاذلي كانت تقضي بالتوقف والبدء بالمفاوضات بعد السيطرة على متلا والجدي.

السوق ذاتها التي لا تجد فيها كتابات كثيرة عن نصر أكتوبر اليتيم مليئة بأدب النكسة ونقد النكبة وسيكولوجيا الهزيمة. وعلى صعيد السينما ليس هناك الا فيلمان عن هذه الحرب يستثنى من الاحصاء أفلام الأشخاص والافلام التي تتغاوى بلقطة أو اثنتين من العبور المجيد. هل أثر ادماننا على الهزائم على طبيعة ثقافتنا؟ نعمان وثلاث نعمات وأكثر فقد فقدنا الثقة بأنفسنا وبقياداتنا وبقدرتنا على الانجازات الصغرى فما بالك بالمتوسطة والكبرى.

في اكتوبر واكراما لأبطالها الذين استشهدوا والذين ما زالوا على قيد الحياة يجب أن نتذكر أننا امة شجاعة حيوية ونابضة وحية وقادرة على الصمود والمناورة والمجالدة وتحقيق الانتصارات ولسنا كما يقول المخصيون منا أمة مشلولة وكسيحة وعاجزة.

[email protected]