تطبيع الوضع العراقي يمر عبر مؤتمر دولي

TT

يغدو انعقاد المؤتمر الدولي حول العراق أمرا واقعا. فقد أعلن كولن باول وزير الخارجية الاميركي نبأ اتخاذ قرار حول عقده. وتم الاتفاق على ان يعقد المؤتمر في مصر. وطبقا لمعطيات «اسوشيتد برس»، سيشارك في المؤتمر كبار المسؤولين من الدول المجاورة للعراق، وكذلك دول مجموعة «الثماني الكبار» وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وسيكون هذا الكشف كاملا اذا ما ضمت اليه هيئة الامم المتحدة والصين بصفتها عضوا دائما في مجلس الامن الدولي (علما بأن الصين ليست عضوا في مجموعة «الثماني الكبار»).

ويعتقد الكثيرون بأن من الواجب عقد المؤتمر في شهر نوفمبر، ولكن بعد الانتخابات التي ستجرى في الولايات المتحدة، من اجل تفادي تحوله الى «فعالية دعائية» للبيت الابيض.

ويثير الاستحسان نبأ عقد المؤتمر الدولي حول العراق. وكانت روسيا أول من طرح فكرة عقد المؤتمر قبل عام، وصاغت هذه الفكرة مع فرنسا في نوفمبر عام 2003. وتم التأكيد بصورة خاصة، على وجوب مشاركة البلدان المجاورة للعراق فيه، الى جانب المنظمات الدولية الكبرى. وأعتقد ان من الواجب اشراك كل من سورية وإيران والأردن وتركيا والمملكة العربية السعودية والكويت، وطبعا مصر التي ما تزال تمارس، كما تظهر الاحداث، دورا رئيسيا في العالم العربي. لكن هل يمكن حصر موضوع المؤتمر بالحضور الخارجي للعراق فقط؟ طبعا، لا.

هنا يطرح السؤال: من سيمثل العراق؟

يود البعض ان تقتصر المشاركة العراقية في المؤتمر على الحكومة المؤقتة. لكن الفكرة هذه، تعتبر ذات مردود سلبي للغاية.لأن مغزى عقد المؤتمر الدولي، يكمن تحديدا في ايجاد السبل لإشاعة الاستقرار في العراق. وقد نما على الصعيد الدولي اليوم، توق الى رؤية العراق بلدا تسوده الطمأنينة. ولا تخالجني أية شكوك بهذا الصدد، في كل الأحوال، حتى لدى اتخاذ موقف المعارضة للعملية العسكرية الأميركية، التي جعلت العراق غارقا في اتون سفك الدماء والفوضى. طبعا، توجد دوافع مختلفة لهذا التوق، لكن هذا لا يلغي «اجماع الرأي» حول وجوب تهدئة الوضع في العراق. بيد ان استقرار الوضع هناك، لن يتم الا عبر طريق الاعمار، وفي ظل قيام ظروف جديدة تتميز بسيادة هذا البلد ووحدة وسلامة أراضيه. كما يجب الاتفاق على هذا كله، ليس مع الحكومة المؤقتة فقط، بل ومع الطرف العراقي الآخر، الذي يحارب قوات الاحتلال والحكومة.

قد يقال ان هذه القوى غير موحدة. حقا ان قسما من هذه القوى يتألف من جماعات ارهابية تنقض احكام القرآن الكريم وكافة قواعد السلوك البشري، حين تقتل الناس الابرياء من عراقيين وغير عراقيين. ومن الطبيعي ألا توجه الدعوة الى ممثليها لحضور المؤتمر. بيد ان الخبراء يعتقدون ان نسبة هؤلاء لا تتجاوز 10 بالمائة. اما الباقون فلا يحاربون النساء والأطفال. كما ان هؤلاء الباقون، يسيطرون على مناطق ومدن كاملة.

كما لا ترفع جميع المعارضة العراقية السلاح بوجه الحكومة المؤقتة. فهناك شريحة سياسية كبيرة غير ممثلة في الحكومة. فهل يمكن تجاهلها كلها؟ طبعا، لا.

فهل يمكن، مثلا، تجاهل ملاحظة قيام السلطات في ثلاث محافظات هي البصرة وميسان وذي قار، التي تقطنها اغلبية شيعية، بإجراء مفاوضات فيما بينها بشأن اقامة حكم ذاتي فيها. انها لا تخفي عدم ارتياحها للمكان الذي افرد لها في العراق، نتيجة للعبة التي تمارسها سلطات الاحتلال وحكومة بغداد. يذكر ان باطن الارض في المحافظات الثلاث تلك، يحتوي على نسبة 80 بالمائة من النفط المكتشف في العراق، بينما لا يمثل جميع هذه المحافظات الثلاث في حكومة علاوي سوى وزير واحد.

كذلك، هل يمكن تجاهل التأثير الحتمي لإقامة منطقة حكم ذاتي في جنوب العراق، على تقوية النزعة الانفصالية في الشمال الكردي او تنامي السخط في «المثلث السني»؟

وهل يمكن تجاهل ملاحظة تنامي شعبية الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي استطاع تفادي الهزيمة وكسب آلاف الانصار بعد المعارك التي دامت اياما طويلة في النجف ضد القوات الأميركية والوحدات المسلحة للحكومة المؤقتة والجاري تشكيلها. كما ان اياد علاوي يجري اتصالات مكثفة مع آية الله السيستاني، الزعيم المعترف به لدى الشيعة العراقيين. بيد ان الاتصالات معه لن تحل مسألة احلال الاستقرار ووحدة اراضي العراق فقط، اخذا بنظر الاعتبار الوضع الراهن في اوساط الشيعة. لقد اكد رئيس الحكومة العراقية المؤقتة، خلال وجوده في الولايات المتحدة في اواسط سبتمبر الماضي، على ان الوضع في العراق ليس بذلك السوء كما تصوره وسائل الاعلام. ولكنني اصدق أكثر وزير الخارجية الأميركي كولن باول، الذي قال بعد اسبوع من زيارة اياد علاوي، «ان الانتفاضة في العراق تتصاعد»، و«الوضع يتدهور».

وتتوفر كافة المسوغات لاعتبار هذا القول تجسيدا - كما اعتقد - للاستنتاج الذي لا مواربة فيه، والقائل بأن تسوية الوضع في العراق لن تتم بالطرق العسكرية. ومما يؤكد وجوب اجراء حل سياسي شامل في العراق، بلا تأخير، سقوط ضحايا كثيرة بين السكان المسالمين، وتواصل المعارك الى ما لا نهاية، وتجاوز عدد القتلى من الجنود والضباط الأميركيين الألف قتيل، ودعوات رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي، اللجوجة لإرسال المزيد من القوات الأميركية الى العراق، الذي تحول الى موضوع رئيسي في المناظرات التلفزيونية بين الرئيس بوش ومنافسه المرشح للرئاسة جون كيري.

ينبغي أخذ هذا كله بنظر الاعتبار، عند التحضير لانعقاد المؤتمر الدولي في القاهرة، اذا ما أردنا فعلا تطبيع الوضع في العراق واستقراره.

* رئيس الحكومة الروسية الأسبق

خاص بـ «الشرق الأوسط»