تجاوزاتنا نوقفها بأيدينا

TT

اعتدنا الحديث ـ كصحافيين ـ عن حقوقنا، ونسينا في بعض الاحيان، وفي غمرة تأكيد حقوقنا وحريتنا، والمطالبة بها في ظل ظروف غير مواتية، ومقاومة لمحاولاتنا هذه من قبل قوى تعتقد ان سلامتها وأمنها يكمنان في تقييد حرية الصحافة والتضييق عليها، في غمرة هذه المعركة المستمرة والشرعية نسينا أحيانا حقوق الآخرين علينا، وتجاوزنا عن تجاوزات بعضنا تجاه المجتمع الذي حملنا المسؤولية. هذه المرة اظن ان حديثنا حديث مختلف، حديث عن حقوق المجتمع علينا، وحديث عن تجاوزات تحدث من قبل بعضنا ضد افراد وهيئات ومجتمع. الأسباب تختلف، منها المهني ومنها المرتبط بطبيعة وسير الحصول على المعلومات، ومنها المرتبط بالكفاءة، ومنها المرتبط بأغراض الأطراف المختلفة، ولكن مهما كانت الاسباب فإن النتيجة في النهاية واحدة، وهي الإساءة والتجاوز.

أذكر زميلة شابة أتتني بموضوع منشور لها حول تجاوزات شخصية عامة تجاه أحد جيرانها، وحملت فيه وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر الجار الذي كال الاتهامات للشخصية العامة، بدعوى أنه يعتدي على حقوقه، وتجاوز الموضوع إلى الاساءة إلى ما تدعيه تلك الشخصية من أنها نموذج إيجابي، واعتبارها نموذجاً كاذباً. كان الموضوع ساخناً ولكني سألت الزميلة، هل تحدثت مع الشخصية العامة محل الاتهام، وكانت الاجابة الصاعقة «كلا ولم أحاول حتى أن أكلمها، لأنني لو كلمتها فسوف تكذب ما لدي من معلومات، وقد تكون لديها إثباتات مضادة لما لدي، وهذا يعني أن يفقد الموضوع (سخونته)، ففضلت أن أحتفظ به هكذا». هذه قصة حقيقية لا اظنها صدمت أياً منا، لسبب بسيط، أنها قصة متكررة، نشاهدها بشكل يكاد يكون يومياً على الصفحات التي نسودها بأيدينا يومياً. هذه القصة هي تلخيص لما نحن عليه من حال في صحافتنا هذه الايام. ومن وجهة نظري المتواضعة كممارس للمهنة ومراقب لها، أحدد سوءات ممارسة بعضنا لمهنتنا في ما يلي من نقاط:

ـ نعتدي، أو يعتدي بعضنا، على الحريات الشخصية للأفراد العاديين بشكل يومي، عندما نتجاوز بنشر اسماء المتهمين قبل ثبوت الادانة. ويتضمن هذا الفعل اليومي إساءة لمواطنين عاديين منهم نساء وأطفال وبسطاء، ذنبهم الوحيد أنهم وقعوا تحت طائلة اتهام قد يكون صحيحاً، ولكن حتى عندما يثبت عدم صحته، فإنهم يكونون قد أدينوا مجتمعياً بفضلنا ـ أو بفضل بعضنا ـ ولن تنفعهم براءتهم فيما بعد.

ـ نستمر في الاعتداء عندما نضخم حادثاً فيه تجاوز واتهام شخصيات عادية أو عامة، ونسرف في المتابعة الدقيقة طالما ظل الاتهام قائماً، ولكن عندما ينتهي الامر في بعض الاحيان ببراءة المتهمين، نجد ان ما ينشر عنه مختصرٌ وغير واضح.

ـ نستخدم ، أو يستخدم بعضنا ، عناوين وأساليب في الصياغة لا تحمل تجاوزاً قانونياً، ولكنها تتضمن اغتيالاً شخصياً، وذلك عندما نضع عناوين أو صياغات تحمل في طياتها تلميحات وايحاءات تسيء للشخصيات التي يتناولها العنوان أو الخبر أو الموضوع.

ـ نتجاوز ، أو يتجاوز بعضنا ، عندما يتخطى حدود المنطق ويتعامل مع القضايا التي يتناولها بعاطفة مجردة، ويتجاوز فيها عند وصف آخرين بأوصاف تقع في طائلة الاهانة، ولن أتحدث عن القذف والسب.

ـ نتجاوز ، أو يتجاوز بعضنا ، بل ونسيء أحيانا، إلى علاقاتنا بدول، عندما نختلف نحن ـ الدولة أو الأشخاص ـ مع دول أو قيادات أخرى، ونستخدم في ذلك عبارات وأوصافا سيئة ومهينة، وتنتهي الازمات وتبقى الاساءات غائرة في النفوس حاضرة للعودة مع أي أزمة جديدة. لنا حق الانتقاد والاختلاف من دون المساس أو الإساءة بالأشخاص أو الشعوب أو المعتقدات.

ـ نميل إلى استخدام المطلق في كتاباتنا وأفعل التفضيل، وهذه مسألة ترتبط بغياب المعلومات الدقيقة، وعدم البحث عنها أحياناً، وعدم اعتماد الأساليب العلمية في التفكير والكتابة أحياناً.

والآن، ما هو الحل ؟ اعتقد أن الحل لن يكون سريعا ولكنه في ايدينا وبأيدينا، وأطرح مجموعة من الخطوط العريضة التي أراها صالحة للنقاش حولها من أجل صحافة تخدم المجتمع ولا تعتدي عليه، مثل، إعداد برامج تأهيل وتدريب للصحافيين تدور حول حدود المسؤولية القانونية، ومفهوم الحريات الخاصة، وإعداد برامج تدريب للصحافيين حول حقوق الإنسان وأساليب الصياغة الموضوعية، والتأكيد والضغط لتأكيد حق حرية الحصول على معلومات.

الموضوع طويل وشائك، لكن ما سبق كان مجرد نقاط، قصدت بها ان تكون مقدراتنا بأيدينا، وتجاوزاتنا نوقفها بأيدينا.

[email protected]