دواء بدون ألم

TT

الدواء سلعة اساسية واستراتيجية مهمة لا خلاف في ذلك. وكل دول العالم تسعى لتأمين الدواء لكافة الأمراض الممكنة، ومن المفروض أن تسعى لتوفيره بأسعار تلبي الاحتياجات والقدرات المالية المختلفة، وخصوصا أصحاب الدخول المتدنية والمتواضعة.

وفي السعودية يتواصل ارتفاع سعر الدواء بشكل جنوني ومحموم، مما بات يشكل قضية اجتماعية غير بسيطة. وصناعة الدواء العالمية من أكثر القطاعات التي يسيطر عليها عدد محدود من الشركات التي تمكنت من تقسيم "الغنائم" فيما بينها.

فدورة اطلاق الدواء تستغرق فترة من الوقت ما بين البحث والتجربة والتمويل، وبعد ذلك تجارب الاختبارات والتقييم والتي غالبا ما تكون لدى هيئة الغذاء والدواء الاميركية، وهي جهة رقابية نافذة ولها قدرة جبارة على "مساعدة" شركات الدواء بموافقة سريعة ومبكرة لمنتجها أو "قتل" المنتج بالتأخير. ولكن كل ذلك يترجم في نهاية المطاف الى أسعار هائلة، يتحملها المريض المستهلك.

ولكن هناك بعض الدول التي تقاوم تلك الدورة المحكمة، والتي بها استغلال هائل وواضح، وبدأت تنتج أدوية ممتازة وبأسعار منافسة جدا. ولعل أبرز تلك التجارب التي تستحق المتابعة والتواصل معها هي تجارب الهند وكوبا والبرازيل.

فالهند ، على سبيل المثال ، تمكنت من احداث تطورات هائلة في انتاج المضادات الحيوية بأسعار متدنية، وكوبا تمكنت من انتاج أدوية لعلاج التهابات الاعصاب والاورام السرطانية الخبيثة بأسعار منافسة. والشيء الذي تشترك فيه الدولتان هو انهما قامتا بتلك التجارب بعيدا عن هيئة الغذاء والدواء الاميركية، وبالتالي قصرا مدة إطلاق الدواء، وبطبيعة الحال تخفيض المصاريف والتكلفة.

هناك "تمرد" عالمي بدأ ينطلق ضد هيمنة شركات الدواء وأسعارها. وشاهد العالم رفض جنوب أفريقيا لشروط شركات الدواء وأسعارها، في ما يخص أسعار دواء الايدز. وقررت جنوب أفريقيا أن تنتج الدواء بأسعار أدنى، وكذلك تفكر تايلند.

واليوم، في السعودية هناك حاجة وضرورة ملحة لاعادة النظر بشكل جذري في مصادر الدواء وتكلفته والبحث عن البديل، لأن الاسعار بوضعها الحالي مع استمرار التضخم وعدم ارتفاع المداخيل للعامة سيكون لها أثر سلبي هائل.

الدواء مثله مثل الخبز والماء في أهمية توفيره وبأسعار معقولة من قبل الدولة. واليوم من الواضح أن هناك احتياجا حقيقيا لاعادة تسعير تلك السلعة واعادة ترتيب أسلوب استيرادها ودول المصدر. لأن ما يحدث في ساحة الدواء لا يشفي المريض أبدا، بل يزيده آلاما وأوجاعا وهموما.

التفكير باسلوب غير تقليدي بات مطلوبا، ومن خلاله تحل الكثير من المشاكل، ومصدر الدواء هو احد تلك المشاكل التي من الممكن حلها بهذا الاسلوب.

[email protected]