الجيوب الفارغة.. بلاغ ضد بوش وكيري..!

TT

من المفيد في بعض الأحيان أن تتراجع إلى الوراء قليلا وتسأل نفسك: لو كنت أستطيع أن أصوت لمرشح رئاسي غير جورج بوش وجون كيري، فمن يكون ذلك المرشح؟

فيما يتعلق بي فإنني سأختار بيل كوسبي، شريطة أن يتحدث إلى الآباء والأمهات البيض وأطفالهم، حول مقتضيات النجاح، بنفس الوضوح والصراحة التي تحدث بها إلى الآباء والأمهات السود وأطفالهم قبل عدة أشهر خلت. فالشيء الوحيد المفقود كليا، وليس في هذه الانتخابات وحدها، بل في السياسة الأميركية على وجه العموم، هم أولئك القادة الذين يتعاملون بوضوح مع ناخبيهم، بل وينتقدونهم. وقد ذكر كاتب العمود مايكل كينسلي ذات مرة، أن السياسة الأميركية تعرف الهفوة وزلة اللسان، بأنها تلك اللحظة التي يقول فيها السياسي الحقيقة. ويمكننا أن نورد الآن عددا من تلك الهفوات الكبيرة. ونسبة لأننا شهدنا ثلاث فترات تزايدت فيها نسب المواليد، فإن الفقاعات الهائلة يمكن أن تنفجر أمام ناظري الرئيس القادم، إذا لم نأخذ الآن جرعات ضخمة من الحقائق الواضحة.

الانفجار السكاني الأميركي الأول لم يبق أمامه سوى دورتين رئاسيتين حتى يطالب أصحابه بحقوقهم في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. ويتساءل وزير التجارة السابق بيتر بيترسون في كتابه الجديد «الجيوب الفارغة»:

«كيف يمكن لأي رجل جاد ألا يعتبر قضية إصلاح نظام الفوائد الاجتماعية أولوية وطنية قصوى، ما دامت قيمة هذه الفوائد غير المغطاة، 74 ترليون دولار، أي أنها تفوق القيمة الإجمالية لكل اقتصادنا بأسعار اليوم، وما دامت تغطية احتياجات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية تقتضي مضاعفة الضرائب المفروضة حاليا؟».

ولا شك أن كتاب «الجيوب الفارغة» يمثل حلا لهذه القضية يمكن أن يتبناه الحزبان، وأن يكون هو البرنامج الذي يطرحه أي رئيس يجرؤ على تحمل مسؤوليات القيادة.

أما الموجة الثانية من الانفجار السكاني، فيمثلها شباب الهند والصين وأوروبا الشرقية، والذين يمكنهم في هذا العالم الذي يزداد تسطحا يوماً بعد يوم، أن ينافسوا أبناءك وأبنائي، كما لم يحدث من قبل، على الوظائف ذات العائدات العالية التي يتيحها الاقتصاد الحديث. عليكم أن تنتبهوا أيها المتسوقون في وال مارت، فالصينيون والهنود لا يدخلون معنا في منافسة حتى القاع، وإنما يدخلون معنا في منافسة حتى القمة. فالشباب الهندي والصيني من اصحاب المشاريع الصغيرة لم يعودوا يقنعون بتنفيذ تصميماتنا، بل يحلمون بتصميم الموجة التالية من الاختراعات ويفرضون هيمنتهم على السوق. وعندما تحول إليهم كثير من الوظائف العالية العوائد، فإن ذلك لا يرجع للانخفاض النسبي للأجور التي يتلقونها، بل يرجع تحديدا لكونهم أكثر تقدما في المهارات العلمية والرياضية المطلوبة في القرن الحادي والعشرين.

ما هي آخر مرة التقيت فيها بفتى في عمر 12 سنة، يرغب أن يكون مهندسا؟ ما هي آخر مرة التقيت فيها بمثل هذه الفتاة؟ عندما يذهب بيل غيتس إلى الصين، فإن الطلاب يتعلقون على الأعمدة ويشترون التذاكر باضعاف اسعارها، ليسمعوا ما يقول. في الصين فإن بيل غيتس هو بريتني سبيرز. أما في أميركا فإن برتني سبيرز هي بريتني سبيرز. نحن نحتاج إلى رئيس مثل بيل كوسبي ليقول للأميركيين: إقذفوا بعيدا بكل هذه الافلام الغبية التي يشاهدها أطفالكم، اغلقوا أجهزة التلفزيون في منازلكم، واحملوا جوني وسوزي على العمل وأداء الواجبات لأن هناك عاصفة في انتظارهم.

أما الإنفجار السكاني الثالث الذي يتعين على رئيسنا التعامل معه فهو من العالم العربي. فخلال نصف القرن الأخير حظي العالم العربي بأكبر نسبة تزايد سكاني في العالم. ونجد هنا نسبا للبطالة هي الأعلى في كل العالم. يضاف إلى ذلك أن ثلث السكان في العالم العربي تحت سن 15، وأن هؤلاء سيدخلون بعد عدة سنوات سوقا للعمل خاليا كليا من الوظائف، كما أنهم سيدخلون بدورهم في مرحلة إنجاب موجة جديدة من الأطفال.

وهذا هو السبب الذي يجعلني أؤمن بضرورة الشراكة القوية مع شعب العراق من أجل تحقيق نوع كريم من الحكم يمكن أن يكون نبراسا. ولم يصبني اليأس حول هذا الأمر حتى الآن، ولكنني أخشى أن نكون قد ارتكبنا عددا لا يحصى من الأخطاء هناك وأن العراقيين يسود بينهم من الانقسام ما يجعل نجاح هذا المشروع أمرا مستحيلا. وفي هذه الحالة فإن الرئيس المقبل يحتاج إلى الخطة البديلة والتي تتمثل في خفض الاستهلاك من الطاقة مما يقلل اعتمادنا على هذه المنطقة واتصالنا بها، مع رسم استراتيجية عسكرية جديدة والتركيز مرة أخرى على تحقيق الحكم الديمقراطي من خلال الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية. فالناس في العالم العربي لم يقتربوا حتى الآن من إمكانية تعليم أبنائهم وتزويدهم بالمهارات الضرورية للحياة في القرن الحادي والعشرين. وإذا تركنا هذه المنطقة لتدبيرها الذاتي فإن النتيجة الحتمية هي الشعور بالمهانة وإنتاج المزيد من المهاجمين الانتحاريين.

أعرف أن فترات الانتخابات ليست هي الأوقات المناسبة لمطالبة السياسيين بالتصرف الأمين. ولكننا تورطنا في هذه الحفرة لأن الموسم السياسي ينتهي يوم الانتخابات. وهذا أمر ينبغي أن يتغير وأن تستمر الحملة الإنتخابية كل العام. فرئيسنا المقبل لا يستطيع أن يهنأ بالنصر ويخلد للراحة بعد اليوم. فالانفجارات السكانية تحاصره من جهات ثلاث، ولن يتمكن من التعامل معها إلا إذا كان لديه ذلك الميل الفطري لقول الحقيقة، حتى إذا سماها البعض زلات لسان.

* خدمة نيويورك تايمز