قضية دارفور وقمة ليبيا .. رقصة التانجو الأخيرة

TT

قمة خماسية في ليبيا التأمت أمس الأحد بحضور رئاسي ووزاري من ليبيا ومصر والسودان وتشاد ونيجيريا، وقضية دارفور طبقها الأساسي. فما هي دوافع القمة ؟ ولماذا في هذا التوقيت ؟ وهل تستطيع أن تضيف شيئا الى قضية ودعت ضفاف الأقلمة وغرقت في بحر التدويل ؟

الإجابة صعبة .. فقضية دارفور ، الذي تبلغ مساحته مساحة فرنسا ، أوشكت أن تصل لطريق مسدود ، وعلى ذكر فرنسا ، فالفرنسيون يعتقدون في مقولة تقول: «إذا عطست فرنسا .. أصيبت أوروبا كلها بالزكام» ، وهو اعتقاد لا يجانب الحقيقة كثيرا باستدعاء ميراث فرنسا السياسي وفيه استمتاع بغرور نبيل المقاصد ، ويبدو هنا أن بضع عطسات من قضية دارفور قد أصابت كل العالم بالزكام ، وبصفة خاصة الدول التي تجتمع الآن في ليبيا ، ودارفور بتاريخها السياسي لها اسهامها التاريخي والحضاري في تاريخ السودان والمنطقة ، وإن كانت لم يسبق أن زعمت أنها يمكن أن تصيب كل العالم بالزكام إذا عطست ، ولكنها تفعل الآن ، ولا مجال للقول هنا إنها رمية من غير رام ، فقضايا النزاع السياسي تستجيب دائما لمعادلة التراكم الكمي والتحول الكيفي. وقد أوقعت عطسات دارفور على جسدها النحيل نحو مليون نازح ومائة ألف قتيل، فيما اقترب نسيجها الاجتماعي من التفكك على أرضية تصفيات تصاحب حربا أهلية ضروسا تتلبس بعض الفوارق الإثنية والعرقية والقبلية ، والحرب على الموارد ، وشيوع امتلاك المواطنين للسلاح ، واستشراء ثقافة العنف منذ عقود من السنين.

فالقضية منذ اندلاعها في فبراير 2003 ، ووصولها لذروة درامية بأحداث مطار الفاشر في أبريل ، جاءت بالرئيس المصري مبارك ليسجل زيارة للسودان هي الأولى منذ يونيو 1995 تاريخ محاولة اغتياله الشهيرة في العاصمة الإثيوبية ، وهي المحاولة التي تورط فيها فصيل من أهل الحكم في السودان بتقديرات كثيرة ، ويذهب تشخيص الزكام المصري الى مخاوف من أن يقود زكام وعطسات دارفور الى تقسيم السودان الى دويلات ، وهو قدر لا تريد مصر أن تراه وعيونها على منظومة مصالح تتصدرها قضية المياه.

والقضية جاءت أيضا بالرئيس التشادي إدريس دبي بزيارات للسودان، فيما ذهبت بالرئيس السوداني البشير لتشاد أيضا على خلفية إعلان تشاد أنها قد قتلت 60 من مليشيا سودانية عربية داخل أراضيها لتستضيف العاصمة التشادية أنجمينا جولات مفاوضات بين الحكومة السودانية والفصيلين المتصدرين للأزمة (حركة العدل والمساواة والجيش الشعبي لتحرير السودان) ، وتشخيص الزكام التشادي يقول إن في تشاد 200 مجموعة عرقية يقاسم معظمها الحركة والنزوح والمصالح مع القبائل السودانية في دارفور، ومن شأن تفاقم النزاع أن يمتد بلهبه الى داخل تشاد ، دعك من استضافتها حاليا لنحو مليون لاجئ . وعطسات دارفور جاءت بالرئيس النيجيري أوباسانجو الى الخرطوم في أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الذي أمهل السودان شهرا للانخراط في معالجة الأزمة في يوليو الماضي ، وأوباسانجو هو الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي (والعقيد القذافي يعتبر نفسه الأب الروحي للاتحاد) وقد عقد أوباسانجو جولة للقضية بعاصمته أبوجا ويستعد لجولة أخرى ، ربما يوم الخميس القادم ، فيما تتواتر أنباء عن إمكانية انتقال مجلس الأمن لعقد جولة في العاصمة الكينية نيروبي لمناقشة القضية عن قرب.

أغلب الظن أن تلك السيولة السياسية الساخنة هي التي دعت، إن طوعا أو كرها لتلك القمة ، وفي هذا التوقيت ، والدوافع معلومة ، ويختزلها مقصد نبيل لجهة محاولة لإبعاد شبح العقوبات عن السودان من جهة ، وتحجيم أفق التدويل أمام القضية من جهة ثانية.

أما على صعيد ما يمكن أن تضيفه القمة الى القضية ، فالحرج القائم والى حين إشعار آخر ، وهو حرج يلازم كل الأطراف المتعاطية لهذه الأزمة ، وجوهره حاجة الأزمة الى حل سياسي يرضي طموح من اضطروا لحمل السلاح ومواجهة السلطة ، وذلك هدف لا يمكن القطع بالوصول اليه حتى لو تقدمت جهود الحلول في ما هو أمني وما هو إنساني ، والسبب بسيط ، فالتفاوض كما يقولون مثل رقصة التانجو ، لا يمكن أن يؤديها المرء منفردا، ومشكلة قمة ليبيا ستبقى في قدرتها على الإتيان بالطرف الثاني ليرقص ، وهو هنا الفصيلان اللذان يتصدران الأزمة ، ومعه تهيئة المسرح الداخلي بآليات تعين على التقدم في ملفي الأمن والأوضاع الإنسانية بما يرضي كبار الأسرة الدولية الذين أصابهم الزكام لحد أثر به على حبالهم الصوتية.

[email protected]