حسابات الربح والخسارة.. من دفاتر مناظرات الفرسان الأربعة

TT

لتسعة أيام من شهر أكتوبر، اندفع الفرسان الأربعة متباعدين عن بعضهم وهم يمثلون الطموح والجاذبية والغضب والانفعال، عبر كل شاشات التلفزيون على امتداد الولايات المتحدة. ويكشف ظهور هؤلاء الفرسان معا جوهر كل منهم، أكثر مما يكشف القضايا التي ظلوا يرددونها بدون توقف.

والوطن لا يتحمل ذلك عن مضض، بل هو يستفيد من التمرين المنظم جيدا للمبارزات السياسية الدائرة حاليا، فمن الآن، وحتى يوم الاقتراع، سنشاهد المرشحين بوش وكيري وتشيني وإدواردز في حجيرات معزولة، خاصة بإلقاء الخطب والتقاط الصور، فيما ستضرب السيوف التي رفعوها بهذه الطريقة الشخصية داخل غرف معيشتنا، لتتحرك في الهواء نحو أعداء بعيدين وساخرين.

البداية تكون بالاعتراف بما هو ظاهر: فقد أنقذ هذا الموسم القصير الخاص بالنقاش المرشح جون كيري، الذي نجح في اختبار التلفزيون الذي يستخدم معايير مباشرة وبصرية، ففي كل مواجهاتهما بدا المتحدي للرئاسة أكثر رئاسا للعين من الرئيس الحقيقي الذي كان جالسا أمامه.

لكن الناخبين غير الملتزمين بهذا الحزب أو ذاك سيقومون الآن بمراجعة كل الرؤى والتخويفات والوعود الكاذبة، التي سمعها جمهور الناخبين في المواجهات الأربع، فهم سيواجهون اختبارا على المستوى العالمي، أكثر تنظيما، حيث تصبح قدرة الناخب على سماع صوت المرشح، وهو يوضح موقفه، أكثر حسما لنتيجة الانتخابات.

حاول أن تتذكر شرح كيري لتفاصيل برنامجه الخاص بالعناية الصحية. أنا شخصيا وجدت صعوبة في ذلك. أنا أستطيع استرجاع صوت كيري الذي أصبح مألوفا لأذن الوطن الداخلية، ورسالته الخاصة بالعناية الصحية، من لقاء مساء الأربعاء الماضي، لكنك بالمقابل تجد رطانة بوش، وهو ينتقد بقسوة برامج الصحة الحكومية التي تكلف آلاف المليارات، تغطي نبرة السناتور كيري المزخرفة. بالنسبة لي، كان الحديث عن الحد الأدنى للأجور على مستوى الوطن سارا لصالح كيري، وهنا أصبحت نبرة كيري عالية وقوية، بينما كانت نبرة بوش واطئة وشبيهة بنبرة شخص موشك على الإغماء.

كانت استراتيجية بوش تعتمد على استهلاك جمل متكررة وبليدة، سبق أن أصبحت جزءا من ذاكرة الجمهور على المستوى القومي. وهذا قد يفيده أفضل لاحقا حينما يصبح جوهر القضايا هو الأهم لا المناقشات نفسها.

الجوهر هو ما يبقى لاحقا، وهذا لا يظهر من هدير الأصوات عند تناول قضايا مثل العراق والضمان الاجتماعي، بل من خلال ما تسرب من المرشحين وبدون إرادة منهم، عما هم حقا يزعمون تحقيقه، فمنذ 11 سبتمبر 2001، لم يخف بوش غضبه لما حدث للأمة ولرئاسته في ذلك اليوم، ولم يتغير إلا في المواجهة الثالثة مع كيري حينما سمح بإضافة أشياء مخففة مع هذا الشعور عبر خلط الغضب بالدعابة، وبعض من ذلك كان ناجحا. أما كيري فهو على العكس من ذلك، استخدم الحوارات، ليعكس شعورا عن امتلاكه لتنظيم دقيق مع بروز طموح جارف أحيانا وراء مساعيه.

الجوهر هو أساس كل شيء، أما بالنسبة للقلق فدائما ما يبدو لي ديك تشيني، وهو الشخص الوحيد الذي التقيته في واشنطن، أخرق في الأحاديث الصغيرة أثناء مناسبات اجتماعية مثلما هو الحال معي. أما الشيء المدهش بخصوص جون إدواردز فهو ضآلة ما خلفه وراءه خلال هذه الحملة، باستثناء السؤال عما إذا كان تقتيره على نفسه في الحديث ناجما عن ضغط مجموعة كيري أم هو قرار شخصي.

فتعامل كيري وبوش وحذرهما مع الأسئلة الأنيقة التي طرحها بوب شايفر عليهما حول الدين، وعلى الرغم من أن الدين هو عامل مهم في حياة كل منهما، ساعد على إبقاء الدين قضية محجوبة، لكن ليس مستبعدا أن تصبح عنصرا تفجيريا في آخر أيام الحملة الانتخابية.

وأخيرا، وبشكل عام سمحت المناقشات لكيري أن يحقق أهدافه أكثر مما تمكن أن يحققه بوش، على الرغم من مفاوضات معسكر بوش لفرض شروط لصالح الرئيس الأميركي.

عند مراجعة ما جرى فإن فيرنون جوردان كبير المفاوضين في معسكر كيري، تمكن من أن يرى كل عناصر قوة مرشحه وضعفه، أكثر مما قام به جيمس بيكر عن المعسكر الجمهوري، فجوردان بعث كيري إلى الحلبة على أساس أنه إذا تمكن كيري من ضبط نفسه فإن شكل الحلبة غير مهم. أما الحزب الجمهوري فكانت حساباته تعتمد على أن حوارا ثالثا حول قضايا محلية سيكون بداية هبوط للقمة الدراماتيكية التي تم الوصول إليها عبر الحوارين الأولين، ويبدو أن ذلك لم يتحقق كما ظنوا، فالناخبون اتخذوا موقفا بخصوص العراق من خلال تقييماتهم الخاصة حول الكيفية التي يسير بواسطتها ذلك النزاع، ومدى علاقته بالحرب على الإرهاب، بدلا من التأثر بمواقف المرشحين المشاركين في النقاش. وهذا ما ترك فرصة لأولئك الذين لم يقرروا بعد لمن سيصوتون لاتخاذ قرار عبر المناظرة الثالثة، من خلال البحث عن مفاتيح خاصة لكل من المرشحين. الشيء الجوهري هو الذي سيبقى. وكلاهما برزا في الحوار الأخير كأنهما شخصان عنيدان لا يفكران إلا بمصلحتهما الشخصية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»