انتقام الهنود السمر

TT

حسب جين أوستن منذ القرن الثامن عشر، فإن الثري الأعزب لا بد له من زوجة وان طال الزمن، لذا فإن كل بيت يدخله من البيوت التي فيها بنات في سن الزواج ستتم معاملته داخل ذلك البيت وكأنه ملكية خاصة يجب الحفاظ عليها وعدم السماح للجيران بسرقتها.

رواية الغرور والعنصرية كلها حول هذا المعنى، وهي من أذكى ما كتبت أوستن عن النفاق الاجتماعي وتجلياته المضحكة حين يتعلق الأمر بالزواج والثروة في المجتمعات المحافظة، لذا لا غرابة أن تتحول الرواية الى واحدة من عيون الأدب الكلاسيكي لا يشبع التلفزيون والمسرح والسينما من الغرف منها واقتباسها.

وآخر الغارفين من معين أوستن جماعة (بوليوود وليس هوليوود)، فقد أعجب الهنود كغيرهم بتلك الرواية وأحالوها الى فيلم بدأ ينافس الافلام الغربية في قعر دارها على المشاهد الغربي ونجح في ذلك رغم كل ما أحدثه صانعوه من فتك ذريع بالرواية الكلاسيكية الرصينة.

ولك أن تعتبر هذا الانتاج البوليوودي طريقة من طرق انتقام الهنود السمر من مستعمريهم السابقين أو محاولة لتعليمهم كيف يتصرفون مع النصوص الغنية بالعواطف الخفية.

وقبل هذه التفصيلات المتروكة للفنيين لنتفق على ان مجرد تحويل الرصانة الانجليزية للعصر ما قبل الفيكتوري الى موسيقى صاخبة ورقص هندي فكرة مجنونة كفيلة بإنجاح أي فيلم حتى وان لم يتكئ على رواية شهيرة.

أوستن التي كثيرا ما تلاعبت بنصوصها وعدلتها لأغراض التجويد سمت روايتها الشهيرة (pride and prejudice) في البداية (الانطباع الأول) فالصراع يبدأ بين الدلوعة اليزابيث الانجليزية الجنوبية والثري دارسي المقبل من الشمال منذ اللقاء الأول الذي شكل الانطباعات التي أوحت للبنت الذكية المرحة أن مشتري المزرعة القريبة من بيتهم سخيف ومغرور، وينظر باستعلاء الى الآخرين لمجرد أنه يمتلك الكثير من المال والاطيان.

الهنود لم يغيروا هذه الثيمة ولا الروح العامة للرواية التي تدور في معظمها حول تدبير الأزواج لكنهم أحالوا البنت الانجليزية المستورة واخواتها الاربع الى شابات هنديات من أمريستار وجعلوا الشاب الثري صاحب سلسلة فنادق عالمية ومنحوه الجنسية الأميركية ليصبح للغرور معناه الأوضح حتى لمن لم يسمع حرفا واحدا عن تلك الرواية وزيادة في الانتفام تركوا أسوأ أدوار الفيلم عن الشاب الذي يغتصب القاصرات لشاب انجليزي غشاش ومخادع ومن دون ذرة أخلاق مقارنة بالفتى الأميركي.

لو شاهدت جين أوستن ما جرى لأشهر رواياتها على أيدي الهنود لتملكها الغضب اولا لكنها في النهاية وبعد أن يخف غرورها الانجليزي كانت ستضحك كثيرا لذلك العمل الفني الناجح فالشعوب الفقيرة، بروحها الغنية أقدر على العبث والصخب وبث الحيوية في الأحداث العادية.

طوبى للفقراء بتلك الروح وللهنود بالذات الذين حطموا في السياسة مقولة أن الفقر لا يستقيم مع الديمقراطية، وهاهم في الفن يثبتون أيضا أنه بالامكان انتاج افلام ناجحة وذكية من دون الحاجة ـ كما يظن عربنا ـ الى ميزانيات فلكية.

[email protected]