أريد أن أحسد

TT

قال أحد الحكماء ويدعى فرنسيس دولاسال: بعض الناس يفتخر بركوبه جواداً أصيلاً ووضعه ريشة في قبعته، وارتدائه ثيابا أنيقة. لكن تلك حماقة. فالفخر ـ ان يكن ثمة فخر في أمور كهذه ـ يجب أن يعود إلى الحصان والطائر والخياط.

تذكرت ذلك القول عندما شاهدت أحد الرجال غير المهذبين، وقد امتطى سيارة اشك أن هناك من يمتلك مثل مواصفاتها، وهو إذا أراد أن يطير، فطائرته الخاصة تكون على الدوام رابضة بانتظاره بشوق أحر من الجمر، لكي يمتطيها كأي فرس (مشيع).

رأيته وقد اختفت عيناه تحت نظارة شمسية داكنة، تشبه قناع (زورو)، وكأنه بذلك يخاف على عينه من عين الحسد، رغم أنني شحذت عيني جيداً وصوبتهما عليه بحسد بالغ، محاولاً النيل منه، غير أنني أخطأته مع الأسف، ونفذ بجلده السميك، الذي لا يقل سماكة عن جلد الخرتيت.

كان يلوك بين أشداقه (سيجاراً) أين منه سيجار (تشرشل)، ويرصع أصابع يديه (البضة) بما لا يقل عن أربعة خواتم، ذكرتني بخواتم رابعة العدوية، قبل أن تتوب وتتحجب.. كان يجلس في المقعد الخلفي من سيارته (الجخّة) اثنان من عتاولة (ازلامه) ومرافقيه.. تأملت طويلاً بعد أن يئست من إصابته بعيني، وقلت بيني وبين نفسي: لله في خلقه شؤون، ومن المحتمل جداً أن يكون وراء وجود هذه (الكتلة) الهائلة من الكبرياء، والثراء، من الممكن أن يكون وراء ذلك (حكمة).. والله هو الوحيد الذي يعلم، أما أنا فليس لدي سوى الظاهر، والظاهر يؤكد لي: أن وجود مثل ذلك الرجل عبء على العالم بأسره، وهو قد اخذ من المكان والحيز وامتلاك زمام الأمور، ما حجب الرؤية، وفوت الفرصة لآلاف الأجساد الضعيفة، من أن تتمتع ولو بالقدر الضئيل من ملذات الحياة، ومكاسبها.

وعلى هذه الشاكلة الكثير من المصائب، والكثير من المنتفخين المتفاخرين بما لا صنعوا، ولا أبدعوا، ولا درسوا، ولا فهموا، وإنما فقط بما (كسبوا) في (ليلة ليلاء) ليس فيها لا قمر ولا رقيب، ولكنهم نسوا، وقد يتذكرون في يوم آت لا ريب فيه: أن هناك: (رقيبا حسيبا)، لا يزن الناس بأجسادهم، ولا (بماركات) ملابسهم، ولا بعطورهم النفاثة، ولا بدفاتر شيكاتهم، ولا كيف يدورون بخصورهم تقليدا لآخر صرعة رقصة، ولا حتى ببلاغتهم الكلامية الكاذبة، ولا ذرهم للرماد في أحداق الخلق.. ولكنه سبحانه هو الذي (يمهل ولا يهمل).

ذهب هو في حال سبيله وكفرات سيارته تنهب الإسفلت نهباً، وذهبت أنا كذلك في حال سبيلي، واضعا يدي في جيوب ثوبي، مخففا الوطأ قليلاً، محاولا أن أتذكر بيت شعر لأبي العلاء المعري.

ولا زال عندي أمل أن عيني سوف تصيبه في يوم ما، حتى ولو بخدش على طرف أذنه.