ماكدونالدز .. العالم الجديد!

TT

عادة ما كان عالم سلاسل الاطعمة السريعة العالمية مثار صراع آيديولوجي بين فريقي فتح الاسواق العالمية والمعادين لذلك، الخائفين من الهيمنة.

وللفريق الاول قول شهير هو انه اذا دخلت ماكدونالدز وكوكاكولا بلدا معينا فان هذا يعد مقدمة لتدفق الاستثمارات الاجنبية وشهادة اعتماد بان هذه السوق استكملت المقومات اللازمة للتحرير الاقتصادي. اما الفريق الثاني فكان يعتبرهما رمزا للهيمنة. ووسط كل هذا كان الحكم في التمدد والاتساع في هذه الاسواق لسلاسل الاطعمة السريعة محكوما في النهاية بمدى تذوق المستهلك لهذه الاطعمة والمشروبات، وجاذبيتها بالنسبة له بصرف النظر عن الايديولوجية، ولذلك فشل الفرنسيون الفخورون بثقافتهم وتقاليدهم في وقف زحف هذه الاطعمة التي اعتبروها تهدد مطبخهم التقليدي.

ولذلك حققت سلاسل الاطعمة السريعة، مثل ماكدونالدز، نجاحا كبيرا في غزو اسواق العالم وبينها اسواق العالم النامي في العقود الماضية لانها نجحت في إقناع المستهلك ولبت عنده حاجة معينة.

لكن التغيير واختلاف الذوق الاستهلاكي والوعي الغذائي هي جزء من حركة المجتمعات وتغير مفاهيمها، فالعالم اليوم يتغير بشكل سريع، وثقافة الاجيال الجديدة ووعيها يشهدان تنوعا وانفتاحا اكبر خاصة في اوروبا حيث اصبحت الاجيال اكثر انفتاحا على الافكار والثقافات الاخرى مع الهجرات واختلاط الاعراق والسفر الذي اصبح في مقدور فئات كثيرة بشكل غير مسبوق في التاريخ. ومع احتكاك الثقافات ببعضها اصبح طبق الكاري الهندي مثلا طبقا شعبيا في بريطانيا يزاحم الوجبات التقليدية مثل السمك المقلي والبطاطس ( فيش آند تشبس). وحتى الاطعمة السريعة اصبحت شديدة التنوع والمنافسة بينها الهندي والياباني والمكسيكي وحتى العربي التركي مثل الشاورمة.

ومع هذا الانفتاح الثقافي اصبح الوعي الغذائي هاجسا متزايدا لدى الاجيال الجديدة الحريصة على نوعية ما تأكله والابتعاد عن الأطعمة التي تحتوي على الدهون، او تسبب السمنة الزائدة، او تعتبر ضارة اذا تم الإكثار منها، وبينها الاطعمة السريعة التي رسخت الابحاث والاطباء صورة سلبية عنها باعتبارها ليست بين قائمة الاطعمة الصحية.

لذلك هبت رياح التغيير حتى على ماكدونالدز التي دشنت حملة تسويقية ودعائية جديدة تتوارى فيها صورة ساندويتش اللحم التقليدي بالجبنة لتحل مكانها صورة اعشاب خضراء وفواكه، ولماذا لا، فالوعي الصحي اصبح الان هاجس العالم الصناعي، والاغذية او المنتجات الزراعية العضوية الطبيعية التي لم تدخل في انتاجها كيماويات تلقى اقبالا متزايدا.

وقد نكون في العالم العربي، أو في كثير من الدول النامية، بعيدين قليلا عن ذلك لأن معظم الاطعمة السريعة التي تروجها السلاسل العالمية الشهيرة لم تصل الى درجة ان تصبح اطعمة شعبية رخيصة كما هو الحال في الدول الصناعية بسبب مستويات الدخل، فالذهاب الى مطعم ماكدونالدز في الكثير من الدول العربية لايزال يعتبر نزهة اكثر منه تقضية حاجة غذائية سريعة وبسعر رخيص.

لكن مسألة الوعي الغذائي والاهتمام بطريقة الاكل ونوعية الاطعمة غير الضارة صحيا او المسببة للسمنة المضرة يجب ان تكون مثار اهتمام اكبر، ففي ذلك مصلحة للاقتصاد والتنمية لان الشعوب التي تتمتع بصحة افضل تكون انتاجيتها أعلى، وتكلفة علاجها واستهلاكها للأدوية أقل.