هذا هو برنارد لويس : تسامح ماكر ومعرفة موجهة

TT

قرأت باهتمام رد الكاتب السعودي عادل زيد الطريفي، المنشور في جريدة «الشرق الأوسط»، بتاريخ 28 سبتمبر (ايلول) الماضي، تحت عنوان «ولماذا يختطف 11 سبتمبر الدين الإسلامي؟»، وكان بدوره ردا على ما كتبه د. رضوان السيد في «الشرق الأوسط»، تحت عنوان «كيف ولماذا اختطفت أحداث سبتمبر الدين الإسلامي؟». وقد فوجئت بدفاع الطريفي الغريب عن برنارد لويس المستشرق البريطاني/الأميركي المعاصر، والذي يخالف تماماً كتابات لويس عن الإسلام والمسلمين، لا سيما ما ظهر منها في السنوات الأخيرة، مما ينضح بالتعصب والكراهية والتحريفات الغريبة، في مجمل القضايا العربية الإسلامية العالقة منها والخافتة.

ففي دراسته الشهيرة، البذرة الأولى في الكراهية والتعصب، والداعية لصراع الحضارات، ـ (جذور السخط الإسلامي)، أو (جذور الغضب الإسلامي)، يقول لويس «هناك شيء ما في الثقافة الدينية الاسلامية ـ وهذا الشيء كما يقول لويس ـ خاصة في حالة الجيشان والتمزق، حينما يثور الغضب ـ الوسيلة لخليط ممزوج من الكراهية والمقت، «الذي يدفع حتى الحكومات العريقة والمتحضرة، وحتى المتحدثين باسم ذلك الدين العظيم، ليناصروا أعمال الخطف والاغتيال، ويحاولوا أن يجدوا في سيرة نبيّهم استحساناً وسوابق لأعمال كهذه. إن غريزة الجماهير الفطرية في عزو المنابع الجوهرية لهذه التغييرات العنيفة والمفاجئة إلى الغرب، وفي عزو سبب تمزق حياتهم القديمة إلى الهيمنة الغربية والتأثير الغربي والمثال والقدرة الغربيين، هذه الغزيرة ليست بالتأكيد أمراً زائفاً».

ولم يتوقف لويس عند هذا الحد في جعل العنف لصيقا بالثقافة الإسلامية، بل قال ما هو أكثر تعصباً وتحريفاً للإسلام والفكر الإسلامي: «إذا كان المقاتلون في سبيل الإسلام ـ الحرب المقدسة في سبيل الله ـ يقاتلون من أجل الله، فإن ذلك يستتبع القول إن خصومهم يقاتلون ضد الله. وبما أن الله هو المهيمن ومصدر السلطات من حيث المبدأ، وهو أيضاً القائد العلوي للدولة الإسلامية، والنبي (وخلفاؤه من بعده) وكلاء مباشرون عنه، فإن الله إذن هو راعي الجيش وقائده. الجيش هو جيش الله، والأعداء هم أعداء الله، فواجب جنود الله إذن هو إرسال أعداء الله بأقصى سرعة ممكنة إلى حيث سيتولى الله بنفسه معاقبتهم وتأديبهم، أي إلى الآخرة».

ويعرف لويس ـ وان لم يكن منصفاً ـ أن الحرب في الإسلام دفاعية وليست هجومية، والجهاد في الإسلام هو للدفاع عن الدين وليس فرض الدين على الناس أو إجبارهم لدخول الإسلام كما سبق قول لويس.

والدليل الذي نؤكده، أن اليهود والمسيحيين بقوا في ديار الإسلام منذ انبثاق الدعوة إلى الآن، ولم يجبرهم أحد على الدخول في هذا الدين أو محاربتهم. وهناك الكثير من الوقائع التي تشهد للمسلمين انهم اكثر تسامحا وانفتاحا من الغرب نفسه في مواقف كثيرة. وهذا يعني أن لويس يحرّف الحقائق ويشوّه الوقائع للوصول إلى مآربه، وهي معروفة سلفاً.

وعندما يتطرق لويس إلى التسامح الإسلامي في تلك الدراسة، فإنه يقول بـ«التسامح النظري»، وهي عبارة ماكرة، ومعنى ذلك أن هذا التسامح في الأقوال لا في الأفعال والمواقف.

وإذا جئنا إلى كتاب برنارد لويس: (أين مكمن الخطأ؟) الذي أشار إليه د. رضوان، فإنه يدور في الفلك نفسه من التحريف والتحامل غير المبرر على الإسلام وأهله، ولا يوجد فيه ما يغير رأينا في هذا المستشرق الكبير.

أما كتابه الأكثر حداثة وغرابة وتعصبا، والذي سنتوقف عنده قليلاً، فهو كتاب «أزمة الإسلام: الحرب المقدسة والإرهاب غير المقدس»، الذي صدر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. فهو يقول في ثنايا هذا الكتاب الأكثر تناقضاً وتبسيطية لقضايا العالم الإسلامي، بأن الإسلام محكوم بوعيه التاريخي وفكرته الجهادية المتأصلة المعادية للغرب والمسيحية ـ لكنه ينتبه إلى مغالاته التي طرحها قبل قليل، ويقول بأن «الإسلام أحد أعظم الديانات العالمية، وأن الحضارة الإسلامية، كانت الأكثر إبداعاً في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني». لكن هذا القول سيتبعه بعد ذلك أيضا، الكثير من الآراء المتعصبة والتبسيطية والمتجنية في بعض الأحيان، حتى يخيل للمرء أن هذا الباحث المتخصص في الشرق الأوسط، كما يعرف عنه، لا يملك الكثير من المعلومات العميقة عن دين الإسلام وثقافة المسلمين، إلا إذا كانت هذه المعلومات ترسـل كتقارير.

ويعلق الكاتب أمير طاهري، الذي عرض كتاب برنارد لويس في «الشرق الأوسط»، العام المنصرم فيقول: «كتاب لويس مليء بالافتراضات غير الضرورية، التي تضر بسمعته الجيدة التي اكتسبها كباحث بارز. فهو مثلاً، يبني الكثير من افتراضاته على مقولة منسوبة للخليفة عمر بن الخطاب، عن ضرورة عدم السماح لغير المسلمين بدخول شبه الجزيرة العربية». وحتى وإن كانت هذه المقولة صحيحة النسب، تبقى الحقيقة أن رأي فرد لا يمكن أن يتحول إلى تشريع، وعلى أية حال، فإن شبه الجزيرة العربية كانت تمتلئ دائماً بغير المسلمين، فاليمن كان به جالية يهودية كبيرة العدد، حتى أوائل الخمسينات «وأغلبهم غادر بإرادته طمعاً في الاستقرار في دولة إسرائيل الجديدة». واليوم هناك عدد كبير من المسيحيين، أغلبهم من العمال الأجانب، في دول الخليج العربي أكثر منهم في مصر».

وليس صحيحاً أن د. رضوان السيد تحامل على برنارد لويس، لكنها الوقائع التي يجب أن تقال في ما يكتبه لويس في أبحاثه ومؤلفاته. ودليلنا على هذا، أنه عندما زار برنارد لويس سلطنة عمان العام المنصرم، وألقى محاضرة عن الحضارة الإسلامية على ما أذكر، حاوره رضوان في قضايا كثيرة، وأذيع هذا الحوار عبر المحطة الفضائية العمانية. ولا أذكر أنني قرأت في كتب أو بحوث رضوان، ما يشم منها رائحة التحامل على لويس، وهو الباحث المتخصص بقضايا الاستشراق. كما أنني لم أقرأ لباحث أو كاتب غير رضوان السيد، يشير بارتياح إلى كتابات برنارد لويس، وإنما كانت كل الكتابات تتحدث عن آرائه المتعصبة وغير المنصفة تجاه العرب والمسلمين وعلى رأس هؤلاء إدوارد سعيد، فخري صالح، تركي علي الربيعو، وعشرات من الكتاب والباحثين الآخرين من كل الاتجاهات الفكرية، ومنهم بعض الكتاب الغربيين.

كتابات لويس لا تحتاج إذا إلى كشف، فهي مكشوفة أصلاً ومتداولة. واما أود قوله، هو أن برنارد لويس، هو أول من طرح قضية (صراع الحضارات) وليس صموئيل هنتغتون، وهو الداعي إلى الحرب على أفغانستان والعراق باعتباره المستشار الأول في البيت الأبيض في شؤون الشرق الأوسط.

في تقييمه لكتاب (أزمة الإسلام) لبرنارد لويس، يقول الدكتور جلال أمين، أن لويس «نادراً ما يستخدم وصف المتطرفين أو الأصوليين، بل يفضل أن يتكلم عن الإسلام أو العالم الإسلامي أو عن شعوب الإسلام أو عن أعداد لا يستهان بها من المسلمين.. الخ، حتى لا يبقى أي مجال للشك في أن الانطباع النهائي الذي سيترسب في ذهن القارئ، لا يتضمن هذا التمييز بين متطرف وغير متطرف، عدواني أو مسالم. وهو يبدأ أحد الفصول، المعنون بـ«ظهور الإرهاب» بعبارة صحيحة تماماً هي: «ليس كل المسلمين أصوليين، ومعظم الأصوليين ليسوا إرهابيين». ولكنه يأتي بعد ذلك مباشرة بجملة غير صحيحة بتاتاً هي «ولكن معظم الإرهابيين اليوم مسلمون، بل يفاخرون بأنهم مسلمون».

* كاتب وباحث من عمان