حكومة إسلامية في بغداد

TT

لم يأت بجديد الرئيس الاميركي عندما أكد انه لن يعارض وصول حكومة اسلامية الى السلطة في العراق، فالانتخابات من الناحية النظرية لا تحول دون من شاء ان يصبح رئيسا، او رئيس وزراء كما هو الحال عليه في العراق، ان استطاع الحصول على اغلبية الاصوات. لكن ما لم يقله الرئيس الاميركي، ولا بد انه جال في خاطره، سيعارض استيلاء حكومة اسلامية على السلطة، وهذه مسألة تحتاج الى تفسير.

ولنعد بالذاكرة الى تجربتين في المنطقة، الاولى، عندما شارفت جبهة الانقاذ على الوصول الى السلطة في الجزائر بعد فوزها اولا في الانتخابات البلدية وتدخل العسكر فوضعوا الرئيس الشاذلي بن جديد في الاقامة الجبرية ومنعوا الانتخابات ثم وضعوا قيادات الانقاذ في السجن لاحقا. والثانية، عندما فشلت حركة الترابي الاسلامية حزب المؤتمر الشعبي في الانتخابات لتتآمر لاحقا مع الجيش في انقلاب اوصلها الى السلطة عام 1989. واعترف الترابي بعد خلافه مع رفاق الانقلاب لاحقا انه ارتكب بذلك اكبر حماقة في تاريخه، خاصة ان حزبه حقق المرتبة الثالثة في الانتخابات وكان له ان يكسب بشكل نزيه في انتخابات لاحقة خاصة بعد عجز حكومة خصمه الصادق المهدي عن ادارة حالة الاضرابات والشلل الاقتصادي الذي عم العاصمة.

الآن الحديث عن انتخابات يشارك فيها الاسلاميون في العراق ليس مثيرا للجدل على اعتبار ان كبرى الحركات الاسلامية في العراق تشارك اليوم في حكومة اياد علاوي وسبق ان شاركت في مجلس الحكم الذي كان في عهد الحاكم الاميركي بريمر بعد الغزو.

واذا كان هناك مما يخشى منه في مشاركة الاسلاميين هو نقل التجربة الايرانية بما فيها من ديمقراطية مشوهة، تسمح لفئة محدودة من المرشحين التنافس، بأن يكونوا اسلاميين بل وايضا من المتشددين فقط، وذلك عبر عملية فرز صريحة جرى دائما فيها استبعاد من يختلف مع النظام.

ومع ان الجيش هو الذي أجهض تجربة الجزائر، الا ان مشكلة الاسلاميين آنذاك كانت ايضا في وضوح تعهداتهم انهم في حال انتخابهم سيعملون على تغيير الدستور والحؤول دون تداول السلطة لاحزاب يعتبرونها «غير اسلامية». وهذا في حد ذاته نقض لطبيعة النظام الديمقراطي الذي اما ان يقبل كما هو او يرفض من اساسه.

النظام في العراق كما هو اليوم يسع لكل اصحاب الأيدلوجيات والملل للدخول في سباق الحكم، لكنه لا يعني السماح بتغيير النظام بعد الفوز. وهنا يفترض ان تكون الامور جلية في الشأن الانتخابي العراقي وهو ان يحترم الدستور بما لا يجوز تعديله الا وفق النظام القائم الذي يتطلب اكثر من ثلثي اصوات البرلمان، اي المجلس الوطني. وهو أمر نعتقد انه متعذر بحكم الاختلافات الاقليمية والعرقية والدينية في البلاد. هناك الكثيرون يشككون في قدرة الاسلاميين على احترام الدستور، وادبياتهم بطبيعة الحال تعزز هذه المخاوف لكن تجربة الاسلاميين في تركيا تنفي ذلك. فهل إسلاميو العراق سوادنيون أم أتراك؟

[email protected]