هل لك (برعبّوبه)؟!

TT

في إحدى قرى الجنوب كان هناك شيخ عجوز تجاوز الخامسة والثمانين من عمره، ولم يتزوج طوال عمره، وبطبيعة الحال هو اشهر عازب في قريته، ويقال انه لم يكن يشكو من أية مشكلة عضوية، ولم يكن (عنينا)، ولكن حظه العاثر، وتردده، واشتراطاته، وخوفه من التجريب، كل هذه المعطيات أضاعت عليه الفرص المتاحة، ووجد نفسه أخيراً صفر اليدين.

وصب جام عاطفته على محبة الأطفال الذين بادلوه ذلك الحب بأكثر منه، وكثيراً ما جلس تحت عريشة منزله على مسطبته، وقد تحلق الأطفال حوله من جميع الأعمار يمسح وجه هذا من التراب، وينف خشم الآخر، ويوزع على الجميع ما في حوزته من الحلويات، ويحكي لهم الحكايات تلو الحكايات التي لا يملون منها، والتي هي أكثر إثارة وتشويقا من برامج التلفزيون الكرتونية وغيرها، ورغم انه (شبه أميّ)، إلاّ انه لا يسمح لأي طفل أن يجلس في مكانه قبل أن يتأكد من انه قد أنهى واجباته اليومية الدراسية، لم يكن له شغلة ولا اهتمام بالسياسة، ولا بحضور المناسبات أو الولائم، ولا يغشى مجالس الأعيان أو غيرهم من سكان القرية.. فمحور عالمه كله يدور حول الأطفال، وهو عالم لا ينقطع فمن يكبر منهم وينتقل إلى طور مختلف، أو يغادر القرية طالبا تكميل دراسته، أو باحثا عن عمل، تكون هناك أفواج قادمة تتسلسل من كل الأعمار.. وقد قال لي من حدثني عن ذلك الشيخ انه سأله عن عدم زواجه وهو (نصف الدين)، فأجابه بحسرة: أنني أشبه نفسي برجل يركب دابة، مخترقا إحدى الغابات يبحث عن عصا، وكلما شاهد غصنا يمكن أن يكون عصا، تركه ممنيا نفسه انه سوف يجد ما هو أفضل منه، وهكذا استمررت على ذلك المنوال، وقبل أن أتنبه للأمر، وإذا بي قد خلفت الغابة كلها ورائي.

ولكن بعيدا عن ذلك الشيخ فالزواج له مزايا، وكذلك العزوبية، ولو أن (كلومبوس) مثلا كان متزوجا، هل كان يتسنى له يا ترى أن يكتشف أميركا؟!، ألا تعتقدون أن زوجته سوف تلاحقه بالأسئلة: أين أنت ذاهب؟!، ومع من؟! ولماذا؟! ومتى سوف تعود؟! وهل الملكة (إزابللاّ) تعطيك ثلاث سفن لوجه الله؟!

أما رحالتنا العربي المسلم الشهير (ابن بطوطة)، فقد خرج من بلدته طنجة متجها إلى المشرق وهو عازب لم يظهر الشعر في وجهه، ثم أصبح في طريقه ورحلته التي امتدت أكثر من (ربع قرن) أصبح مدمنا على الزواج، وقبول هدايا (الإماء) له من الملوك والسلاطين والأمراء، وكان يشحن معه الواحدة والاثنتين والثلاثة على ظهور الجمال والسفن، وفي كل بلد كان له عرس، وفي كل عرس له قرص (ورعبّوبه)، فمن المغرب، إلى مصر والشام والحجاز وعمان والعراق وخراسان وأفغانستان والهند والصين والأندلس ومالي وغانا، في كل تلك البلاد كانت له زوجات، ولم يوفر لا بلدا ولا جنسا ولا لونا، وهو في ترحاله يأخذ ما يأخذ من الزوجات الشابات، وبعد أن يحملن يتركهن مع أبنائهن حيث يكن، ويعطيهن بعض المال ويسرحهن بإحسان ويدعو لهن، ثم ينطلق مواصلا رحلته، لهذا فأنا اعتقد أن أحفاد ابن بطوطة غفر الله له، منتشرون في أنحاء المعمورة، بعضهم تأكله المجاعة، وبعضهم من أصحاب الملايين، وبعض حفيداته ساتر عليها الله في خدرها، وبعضهن أتعبت مرابع الليل برقصها وغنائها.

فهل لك أيها القارئ (برعبّوبه)؟!