في الكويت .. معركة البرنامج الحكومي مع البرلمان

TT

يتمسك الكويتيون بدستورهم وبكل مواده، بما فيها المادة الثانية. وبين حكام الكويت، هناك الجيل الثاني والجيل الثالث. ولان صحافة الكويت حرة بشكل لافت، يتم نشر اخبار على صفحاتها تلتقطها صحف عربية اخرى وتتناولها، واذا كان هناك عدد من «المحرمات» في بعض الدول العربية لا «يجوز» الكلام فيها علنا، فان ما يسمى بـ«المحرمات السياسية» في الكويت مسموح طرحها. الصحافة تكتب عنها، ثم تستعد وتشحذ اقلامها بانتظار استئناف مجلس الامة جلساته في 26 الشهر الجاري، اما المسؤولون من العائلة الحاكمة فانهم يفضلون عدم الخوض في ما يسمى بـ«المحرمات»، فهذه من شؤون العائلة، والخوض فيها بنظرهم، يعني ان هناك فعلا قضية وتجب معالجتها، وهذا لا ينطبق على الواقع، فالكل بينهم يردد «العين لا تعلو على الحاجب».

بدأت قصة ولاية العهد في الكويت مع مقال نشره عبد اللطيف الدعيج في مجلة «الطليعة»، في السادس من الشهر الجاري حيث استوقفه كما ذكر، تصريح للشيخ محمد الصباح وزير الخارجية الذي زار الشيخ سعد ولي العهد وسأله الاخير، عن استقرار العراق والشرق الاوسط. الدعيج رأى في هذه المعلومة، ان ولي العهد «كان في غيبوبة واستعاد بعضا من وعيه وانه مهتم بالوضع في العراق والشرق الاوسط». المقربون من وزير الخارجية، استغربوا ردة فعل مجلة الطليعة، اذ انه كلما التقى سياسيان في أي بلد عربي، لا بد ان يبحثا شؤون العراق ومشكلة الشرق الاوسط، فلماذا اذن، اعطاء تصريح الشيخ محمد عما دار بينه وبين الشيخ سعد، ابعادا طالت لاحقا ضرورة تنحي ولي العهد وامير الكويت ايضا؟ ويقول المقربون من العائلة الحاكمة في الكويت، انه بعد فصل رئاسة الوزارة عن ولاية العهد، بحثت الصحافة الكويتية والعربية معها، عن قصة تثير شهية التكهنات، غير عابئة بالدستور الكويتي اولا، وبالاوضاع التي تحيط بالمنطقة ثانيا.

لقد خفت الحديث في الديوانيات الآن عن قصة ولاية العهد، وتحول الى مواضيع حساسة اخرى، خصوصا ذهاب بعض الشبان الكويتيين وبعض العسكريين للقتال في المثلث السني العراقي ضد القوات الاميركية. وفي مواجهة التطرف، غير المعروف او المنتشر في الكويت تلتقي الصحافة والحكومة في الادانة والعمل على مكافحة بث الافلام في بعض الدواوين خصوصا في رمضان، عن العمليات التي يتعرض لها الاميركيون في العراق، وهذه مرفقة بدعوات الى الجهاد من قبل بعض الدعاة.

لفتني في الكويت، اثناء وجودي في المطاعم خلال الليل، والمجمعات التجارية المزدحمة بالشباب والشابات بعد الظهر، وجود الكثير من الاسلاميين الملتحين. كانوا مثل بقية الموجودين يتمتعون بالاكل على الاضواء الخافتة، وايضا بالجلوس في مقاهي المجمعات التجارية والنظر الى الواجهات التجارية. وسألت اصدقائي الكويتيين عن سبب وجود هؤلاء في القاعات والصالات، «يبدو انهم يستمتعون مثلنا»، فكان جوابهم، «يستمتعون آنيا ويسجلون ملاحظاتهم، ثم يذهبون بعدما يشبعون مما لذ وطاب، ليوجهوا انتقاداتهم ضد ما رأوا وليغسلوا عقول الطريين من الشباب».

والمفارقة في الكويت، انها بلاد الخمسين نائبا في مجلس الامة، لكن اصواتهم العالية واعتراضاتهم وبياناتهم تفوق ما يجري في برلمان الهند، مثلا بلاد ما يفوق على المليار نسمة. واذا كان في الهند، اعرق الديمقراطيات، احزاب، والحكومة هناك تعتمد على الاغلبية في البرلمان لتمرير برنامجها، فان لا احزاب في الكويت، والحكومة تعتمد على حسن النوايا. وفي كل مرة عندما تستعد الحكومة لتقديم برنامجها الى مجلس الامة، يستعد النواب لمواجهتها. ويقوم احد النواب الاسلاميين بتمرير اقتراح يدعو الى تعديل المادة الثانية في الدستور الكويتي، بحيث تصبح الشريعة الاسلامية المصدر الوحيد للحكم. هذا الاقتراح، حتى الآن، لم يلق ترحيبا من النواب الاسلاميين انفسهم، لكن الصحافة الكويتية واجهته بشدة، عبر مقالات لاذعة وجريئة، خصوصا ان اقتراحه هذا جاء بعد بيانات صدرت عن الحركة الاسلامية تدين التصرفات الاميركية في العراق وفي العالم الاسلامي. ثم حاول حزب التحرير الاسلامي (ممنوع في الكويت) التجمع لتوجيه دعوته فمنعته الشرطة، ويدعو الحزب الى الخلافة ولا يعترف بالحدود بين الدول الاسلامية، مع العلم ان كل كويتي مستعد ان يموت دفاعا عن تثبيت الحدود بين الكويت والعراق.

ويتوافق الكويتيون على حاجة الكويت الى حكومة تقود. ومع قرب افتتاح مجلس الامة، تستعد الحكومة لطرح جدول اعمالها ويستعد البرلمان لاسقاط برنامجها. كتلة الدستوريين تنوي اسقاط البرنامج، ويستعد السلفيون للتضامن لاسقاطه ايضا. وحدهم الليبراليون سيعملون على انجاحه. ومع معمعة البرنامج الحكومي، سيتم جلب بعض الوزراء الى منصة الاستجواب. فالاسلاميون لا يريدون وزير الاعلام محمد ابو الحسن، فرغم انه لا يعمل ضدهم الا انه لا يلبي طلباتهم ـ سيحال الى الاستجواب. مجموعة من الليبراليين تريد استجواب وزير العدل السلفي احمد باقر، ومجموعة اخرى منهم تريد استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء (من القبائل) محمد ضيف الله شرار، واحدى المجموعات الشيعية تريد استجواب وزير التعليم. والصحافة الكويتية تشمر عن سواعدها وتترقب المزيد للتحليق في تعليقاتها، اضافة الى اتهام جماعة الاسلاميين للحكومة بالحظر عليها والاستجابة للمطالب الاميركية بالتضييق على الاخوان وبيت الزكاة.

رئيس الحكومة الشيخ صباح الاحمد يتبنى بشكل شخصي برنامج الحكومة الجديد، وكانت زيارته الى شرق آسيا التي استمرت شهرا، بداية لفصل جديد في سياساته الكويتية عنوانه: «الكويت الاقتصادي»، بعدما تخلصت الكويت، نوعا ما، من عبء «الكويت السياسي»، وسوف يطرح في برنامج الحكومة، على مجلس الامة، العقود النفطية في حقول الشمال باحضار شركات اجنبية تحمل معها التكنولوجيا، الخصخصة ودور القطاع الخاص والتخلص من اعباء دولة الرفاه تدريجيا، وترشيد الانفاق (لن تمس الطبقات كلها) وتعديل التكلفة مع مراعاة شرائح المجتمع غير القادرة. كما سيطرح دور المرأة وحقوقها (لا تستطيع الحكومة بالنسبة الى دور المرأة ان تتحمل الاخفاق مرة جديدة)، تطوير التعليم، وسيادة القانون بازالة المخالفات والاعتداءات على املاك الدولة.

البرنامج ضخم يحتاج الى حكومة تتمتع بالاغلبية، والمشكلة مثلا بالنسبة الى الخصخصة عدم وجود حملة اعلامية لتثقيف الرأي العام وتداول الموضوع في الديوانيات، ولا تزال المبادرة الاعلامية بيد المعارضة في الندوات، ثم ان استجواب الوزراء، لمسببات خاصة، صار تقليدا في الكويت للابتزاز وتخويف الوزراء، وهذا يؤدي الى القلق وابتعاد الكويتيين عن المشاركة ويسبب خللا في اداء الحكومة يؤثر على هيبتها.

الاهتمامات الداخلية، لا تلغي او تؤثر على اهتمام الكويت بالعراق وايران ايضا. فهي تريد دعم الحكومة العراقية لتحقيق الفيدرالية وتجنب تبني أي ايديولوجية، اما تأخر فتح السفارات فسببه الوضع الامني وعدم استعداد أي كويتي الآن للذهاب الى بغداد، وتعمل الكويت لدعم الحكومة العراقية مع دول الاقليم والاسرة الدولية وادخال العراق تدريجيا في قالب «من التفاهم مع مجلس التعاون الخليجي». اما بالنسبة الى ايران، فهناك قلق صامت انما ملموس، لان السلاح النووي هو تهديد للمنطقة وابتزاز واستعداد للتطرف، وامتلاك ايران هذا النوع من السلاح يشكل خوفا في الكويت والخليج كله، مع معرفة تاريخ ايران وتطلعات حكامها. والخطر في نظر الكويتيين المسؤولين، ان يصبح الخليج ساحة صدام جديدة بين اميركا وايران. هناك توقع للتصعيد، والفكرة ان اميركا ستعطي ايران فترة من الوقت، كي يستقر الحكم في العراق، ومن ثم ستتم المواجهة وسيقف العالم مع اميركا. وتتفهم الكويت الشعور الايراني الذي ترجمه تصويت البرلمان الايراني على الاستمرار في التسلح النووي، اما ذلك الشعور فمبعثه ان ايران دولة وجدت منذ آلاف السنين، في حين ان باكستان مثلا دولة وهمية صنعتها بريطانيا، وتملك السلاح النووي. ثم ان ايران محاطة تقريبا، بالصين والهند وباكستان وروسيا وكلها دول تملك السلاح النووي. والتوقعات في الكويت، ان الموقف من ايران سيحدث الكثير من الانقسامات في الدول الاسلامية.

وينفض الكويتيون هذه المخاوف، ليعودوا للحديث عن الكويت التي تعيش طفرة اقتصادية واعلامية، فهناك عدد كبير من الفنادق بدأ بناؤها، وتستعد الحكومة لمنح رخص لصحف جديدة وتلفزيونات خاصة، وقد بدأ تلفزيون «الرأي» التابع لصحيفة «الرأي العام» بث برامجه مع بداية شهر رمضان، وينتظر الكويتيون محطات تلفزيونية خاصة اخرى. واعود لسؤال بعضهم: وماذا عن ولاية العهد؟ ويأتيني الجواب: انها محصنة في الدستور، ويلفتونني الى دعمهم لرئيس الحكومة العراقية اياد علاوي، وايضا الى اعجابهم الخاص بالرئيس العراقي غازي الياور.