مرشح أخرق وآخر يهيل ترابا على رأسه

TT

لم يترشح جون كيري بسبب شخصيته الجذابة، أو بسبب التزامه قضايا كبيرة وصغيرة، بل لأنه مقاتل. ففي نهاية كل حملة يخرج منها بمشاجرة. هذا هو الشخص الذي يمكن ان يواجه بوش، لذا لم يتخيل احد مدى عدم كفاءته وفظاظته في المرحلة الحالية من الحملة الانتخابية، حيث يشن المرشحون الاذكياء هجمات تركز على شكوك الناخبين في معارضيهم. الغريب، ان كيري يشن هجمات تركز على شكوك الناخبين فيه.

يوم الاثنين، ابلغ كيري اصحاب المعاشات في فلوريدا، ان بوش يتآمر من اجل «مفاجأة في شهر يناير»، بخفض ما يحصلون عليه من الضمان الاجتماعي بنسبة 45 في المائة. وكما يعلم كيري، فإن بوش لن يعد خطة ولم يفكر في خطة تخفض ما يحصل عليه اصحاب المعاشات. ويمكن لبوش التخلي عن أية اصلاحات في مجال الضمان الاجتماعي، تؤدي الى خفض ما يحصل عليه الفرد.

جاء هجوم كيري العنيف الثاني، على احتمال إعادة بوش العمل بنظام الخدمة العســــكرية الإلزامية. إدارة بـــوش، التي لم تطلب حتى بتضحيات عادية خلال فترة الحرب، لا تعتزم إعادة نظام الخدمة العســـكرية الإلزامية. البنــــــتاغون ايضا لا يعتزم من جانبه إعادة نــــظام الخدمة العسكرية الإلزامية، كما ان الحزب الجمهوري لا يعتزم ذلك.

هجوم كيري الثالث، تركز حول ماري تشيني. فقد أثارت هذه المسألة ضجة واسعة، إلا ان الأمر اللافت للنظر هو ان كيري لم يقدم اعتذارا. إنك استغليت ابنة شخص في الهجوم عليه وعلى رفيقه المرشح الآخر، مما أثار حفيظة الاسرة. كان ينبغي الاعتذار لأنه الشيء الوحيد الذي يمكن ان يجعل كيري يبدو اكثر إثارة للاعجاب في نظر الآخرين. إلا ان كيري في مزاجه الهجومي لا يمكن ان يقدم على ما يعتبر مفيدا له من الناحية السياسية!.

رابع هجومات كيـــــري تركــــــز حول «الحظر» المفترض لإدارة بوش على البحوث الخاصة بالخلايا الجذعية. عــــــبارة جون ادواردز الاكثر إثارة للسخرية، هي ان كيري اذا اصبح رئيسا فإن اشخاصا مـــــثل كريستوفر ريفز، ربما تمـــــــكنوا من البقاء على قيد الحياة، فمثل هــــذه الأحاديث لا تعدو ان تكون جزءا من سلــــسلة مبـــالغات خاصة باحتمالات الحصول على علاج لمرض آلزهايمر وإصابات العمود الفقري.

انا لا احاول هنا ان اثبت نقطة اخلاقية حول الأداء الرديء للحملة الانتخابية، فالسياسة ليست وسادة كبيرة للراحة والاسترخاء، اذ ان المبالغات خلال الايام الاخيرة للحملة، صارت معيارا سائدا وليس استثناء. إنني اتحدث هنا حول الكفاءة وما يقال خلال هذه الفترة حول كيري وحملته الانتخابية.

نقـــــطة ضعف بوش تكمن في ان الناس يخشـــــون من ان تسفر هجمات كيــــري العنــــيفة عليه عن ارتــــباكه، اذ ان نهـــجه الأخرق يجعله يبدو وكأنه مرشح لا افق له يدفعه الطموح فقط.

ولكن لماذا يفعل بوش ذلك؟ اولا، لأن بوش يعتبر مذنبا في كل شيء، لذا كلما كان الشخص قاسيا معه ساور الكل شعور افضل.

إلا ان ثمة افتراضا عميقا ظل يفسد سياسة الديمقراطيين على مدى سنوات. فبعضهم لم يستطع مواجهة حقيقة ان الناخبين ظلوا يصوتون للحزب الجمهوري لأنهم يتفقون مع طروحاته وبرنامجه. لذا فإن هؤلاء الديمقراطيين اخترعوا نظرية يواسون بها انفسهم، تتلخص في انهم ظلوا يخسرون الانتخابات لأنهم الاكثر طهرا واستقامة في الولايات المتحدة.

طبقا لهذه النظرية، ظل بعض اصحاب النفوذ والعالمين بكل شيء وسط خبراء التخطيط الاستراتيجي مثل لي آتووتر وكارل روف، يخدعون الناخبين ويجعلونهم يصوتون ضد مصالحهم الحقيقية. إلا ان الكثير من الديمقراطيين قرروا ان يصبحوا اكثر قسوة بدورهم في هذه الانتخابات.

لكن الحقيقة تكمن في ان الناخبين ليسوا اغبياء، بل قادرون على التفكير المستقل، فإذا هاجم المرشح منافسه على نحو وحشي وقاس، فإنهم سيستخلصون نتائجهم المنطقية الخاصة بهم.

*خدمة («نيويورك تايمز»)