مطاردة نمر

TT

أنا واثق أن كثيرا من الخبراء سيقولون لنا إن هناك أسبابا كثيرة لتقارب المرشحين في هذا السباق الرئاسي، ولكنني أقول إن القضية كلها تتلخص في نقطة على درجة كبيرة من البساطة : إننا لا نعرف حتى الآن أي الرجلين استخدم هذه المناظرات للتغلب على نقطة ضعفه الأساسية ؟ ودعوني اشرح ما ذكرت. أعتقد أن أميركا تعاني من ارهاق روحي يمكن إرجاعه لشيئين: الأول هو أن لدينا أعداء في العالم، والثاني هو أننا خلال مطاردتنا لهم، نسلك الطريق الخطأ.

عندما يشاهد الأميركيون أخبار العراق، حيث يقوم رجال ملثمون بحصد الرؤوس الأميركية ويفجرون المدنيين العراقيين المصطفين للانضمام إلى الشرطة العراقية، أو عندما يفكرون في الهجمات الانتحارية من بالي إلى اسطنبول، أو يتأملون الحفاوة التي استقبلت بها هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في بعض الأماكن والبلدان، يشعرون في أعماق أعماقهم أن لديهم أعداء حقيقيين في أماكن محددة في هذا العالم.

إن أكبر تحد يواجهه جون كيري في حملته الانتخابية هذه، هو أن يجد المسارب المناسبة للتواصل مع هذا الخوف الأميركي القابع في أعماق الروح الأميركية، وأن يجتاز امتحانا محددا يتمثل في الرد بالإيجاب على هذا السؤال المحدد: «هل يفهم هذا الرجل أن لدينا أعداء حقيقيين في هذا العالم الفسيح؟ وأعتقد أن كيري حاول أن يستخدم سجله البطولي للإجابة على هذا السؤال بصورة ضمنية. وأعتقد أنه أخطأ في ذلك، ولم يقنع مستمعيه ومشاهديه.

وقد حاول كيري في المناظرات أن ينتقد الحرب في العراق، وأن ينظر، في نفس الوقت، إلى الناس في عيونهم ويقول لهم: إنني أعرف أن لدينا أعداء وأنا قادر على مواجهتهم، ولكنني سأواجههم بطريقة مختلفة عن طريقة جورج بوش وأكثر حكمة منها. فكيف استقبل الناس رسالته تلك؟

أعتقد أن كيري طرح نفسه كقائد عام مقنع ومفصح ووافر المعلومات، للقوات المسلحة الأميركية. ولكن هل استطاع أن يبرم الصفقة مع الوسط الأميركي العظيم؟

ليس واضحا لدي أنه فعل ذلك.

ونصيحتي المجانية لكيري هي أنه إذا لم يكن واثقا من أنه فعل ذلك، فإن عليه أن يتخلى عن كل شيء في الوقت الحالي: الرعاية الصحية، عجز الموازنة والتخفيضات الضريبية للطبقة الوسطى، وأن يركز على هذه القضية. لان كل ما عداها ثانوي بالقياس إليها.

أما الرئيس بوش فلديه مشكلة أخرى. فالاختبار الذي كان على الرئيس بوش أن يجتازه يتمثل في الإجابة على السؤال التالي: « هل يفهم هذا الرجل أننا نسلك الطريق الخطأ؟».

ومع أن الوضع يمكن إنقاذه رغم كل شيء، إلا أن العراق يمثل حاليا حالة من الفوضى الفظيعة بسبب الافتقار الإجرامي للكفاءة من قبل فريق بوش للأمن القومي، والذي أصبحنا بسببه في أكثر اللحظات عزلة عن العالم في تاريخنا. فالمحافظون يدعون أنهم يهتمون اهتماما عميقا بما يحدث في العراق، ولكنهم جلسوا صامتين طوال العام المنصرم بينما كان الموقف يتدهور بصورة مضطردة. ثم ساهموا بعد ذلك في حملة مشينة ليصرفوا أنظار البلاد إلى ما كان جون كيري يفعل في أنهار فيتنام قبل ثلاثين سنة، بدلا من التركيز على ما كان بوش ورفاقه يفعلون في أنهار بابل اليوم، حيث تتعرض للخطر أرواح 140 ألفا من الجنود الأميركيين هناك. هل هذا هو معنى أن تكون محافظا اليوم؟

وإذا كان المحافظون قد رفعوا أصواتهم قبل عام، وأفصحوا عما يردده الآن كل من جاي غارنر وبول بريمر، وما كان يردده كل أؤلئك الذين يعرفون أهمية العراق وسطنا، وهو أننا لم نكن نملك القوات الكافية التي تستطيع حماية الحدود، ومنع الإرهابيين من دخول البلاد، وإيقاف النهب وحفظ النظام وتأسيس السلطة، فإن الرئيس ربما كان قد غير الاتجاه الذي سار فيه. ولكنهم بدلا عن ذلك لعبوا دور الكورس الإغريقي، يصفقون لأخطاء بوش ويسخرون من كل من ينهض لمعارضته. لقد فشل المحافظون في امتحان المواطنة. وكان الأهم بالنسبة لهم هزيمة اللبراليين بدلا من إنقاذ وإصلاح الوضع في العراق. ولو كان الديمقراطيون هم الذين أداروا هذه الحرب، بهذا القدر الضئيل من الكفاءة التي أدارها بها رامسفيلد وشركاؤه، لطالب المحافظون برؤوس الديمقراطيين، قبل عام، ولاستطاعوا قطفها.

هل استطاع الرئيس في تلك المناظرات أن يجيب على هذه الأسئلة، وأن يطمئن القلوب الواجفة؟

نكون كرماء لو قلنا إنه حاول مجرد المحاولة. تلخصت استراتيجيته كلها في تغذية الشكوك في فهم كيري لحقيقة أن لدينا أعداء حقيقيين في العالم، حتى يصرف أذهان الناخبين عن حقيقة أنه يسلك الطريق الخطأ في الوصول إلى هؤلاء الأعداء. وقد ترتب على كل ذلك أننا فقدنا أصدقاءنا في العالم وأن العراق قد وصل إلى درجة من انعدام الأمان جعلت جنودنا لا يستطيعون المرور في شوارع معينة في بغداد.

في السياسة البريطانية كان هناك سؤال يسأله النواب لأنفسهم قبل الاختيار من بين المرشحين لرئاسة الوزارة، وهو: هل يمكن أن تذهب مع هذا الرجل في رحلة لصيد النمر؟ أي أنك تحاول أن تقرر ما إذا كان هذا الرجل سيقتل النمر أم أنه سيحاول التفاوض معه؟

قال لي غراهام أليسون، الاستاذ في العلاقات الخارجية بجامعة هارفارد، والذي نشر للتو كتابا بعنوان: « الإرهاب النووي: الكارثة القابلة للمنع»، قبل عدة أيام، إن صيد النمر ينطبق حاليا على أميركا أكثر مما كان ينطبق على بريطانيا في ذلك الزمان. وهذه كلماته: «السؤال الكبير حول كيري هو، هل يستطيع أن يسحب الزناد؟ أما السؤال الكبير حول بوش، فهو هل يستطيع أن يصوب؟ نحن نعرف عن بوش أنه يستطيع أن يسحب الزناد، ولكنه صوب نحو قدمه وأصابها، وما يزال النمر طليقا وسليما. ونحن نريد إصابة النمر وليس أرجلنا أو أنفسنا».

* خدمة «نيويورك تايمز *