اليمن ومجلس التعاون ومعيقات التكامل

TT

تمر شبه الجزيرة العربية بفترة حاسمة حاليا، فالوضع الأمني فيها عرف تحولا مهما، والبعض يظن أن الولايات المتحدة تريد أن تعيد صياغة كل منطقة الخليج وفق أفكارها. لذلك حان الوقت لمجلس التعاون الخليجي كي يفرض رؤيته، وأن يفرض نفسه أيضا ككيان للأمن الإقليمي.

عرفت الأعوام الأخيرة قيام عدد من الدول في مجلس التعاون الخليجي بخطوات مهمة صوب تقوية أواصرها، وكان أكثر الإجراءات أهمية في هذا المضمار، هو الإعلان عن عملة واحدة سيتم تبنيها لكل دول مجلس التعاون الخليجي يكون آخر أجل له سنة 2010 . في الوقت نفسه فقد تم التوقيع على اتفاقية الحدود أخيرا من قبل السعودية واليمن، وهذا ما يفتح الباب لانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.

وفي وقت يدور فيه النقاش حول هذه القضايا، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يقدم معيارا مفيدا لتحقيق التكامل بين بلدان مجلس التعاون الخليجي، ثم عملية توسيع إطار الانتماء إليه لدول أخرى. بالتأكيد، فإن استيراد نسخة الاتحاد الأوروبي بالكامل لن ينجح لكن من الخطأ أيضا تجاهل التجارب العالمية.

وللتأكد من وجود قدر من التماثل بين التجربة الأوروبية في مسعاها لتحقيق التكامل مع «دول أوروبا الشرقية»، وبين التحديات التي تواجه مجلس التعاون الخليجي في علاقته مع اليمن، نشير الى ما يلي:

أولا، هناك منطق جغرافي بالنسبة لليمن أقوى حتى مما هو قائم في أوروبا: شبه الجزيرة العربية هي وحدة طبيعية، وإنه سيكون من الناحية العملية صعبا إقصاء اليمن. لذلك فإنه سيكون التفاعل أمرا لا محالة منه، وتجب إدارته إن كان ممكنا ضمن إطار مؤسساتي، في الوقت نفسه فإنه قد يكون أكثر أهمية بالنسبة لسكان دول شبه الجزيرة العربية، خصوصا أن هناك روابط تاريخية أكثر عمقا بين اليمن وبقية بلدان الخليج مما هو موجود بين الاتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشرقية. وتعود تلك الروابط إلى فترة قديمة حيث تربط الطرفين أساطير قبلية مشتركة. بل ان أجزاء مهمة من فئات النخبة الموجودة في السعودية والإمارات لها جذور يمنية.

ثانيا، ومثلما هي الحال مع أوروبا، فإن هناك إمكانية لتحقيق التكامل الاقتصادي، إذ استطاعت بلدان مجلس التعاون الخليجي أن توفر الرأسمال الذي لا تمتلكه اليمن، في الوقت الذي لدى الأخيرة جيش ضخم من العمالة قليلة التكلفة. لا يحتاج اليمنيون أن يشغَّلوا ضمن بلدان مجلس التعاون الخليجي على الرغم من أن تواجدهم فيها يحظى بالاعتبار حاليا، إن لم يكن معترفا به دائما. لكن رأسمال مجلس التعاون الخليجي قادر على الذهاب إلى اليمن، شرط توفر إطار ضروري من الأمن الناجم عن سيادة القانون هناك. ويستطيع اليمنيون أن يقوموا بالكثير من العمل في أسواق دول شبه الجزيرة العربية.

ثالثا، هناك ضرورة أمنية حالية لتحقيق التكامل بأي شكل كان; هذا هو بالضبط الدافع الذي كان وراء بناء أوروبا الجسور مع بعض البلدان الجارة التي تشكل بؤرا للجريمة وأحيانا تميل لاختلاق المشاكل. وأصبحت اليمن، على غير ارادتها، كمنطقة خلفية تغذي شبه الجزيرة العربية بالإرهاب والتهريب. وعملت السعودية على المساعدة في استقرار اليمن منذ وقت طويل، وقد بذلت جهودا شاقة من أجل فرض نظام مراقبة حدودي صارم معها. مع ذلك، فإن نظاما أمنيا شاملا يتطلب تقديم حوافز أكثر لليمن من أجل تعزيز أمنها الداخلي واحتواء تأثيرات ما يخرج عنه إلى بلدان الجوار. واليمن في الكثير من الجوانب هي دولة ضعيفة القدرات وستحتاج إلى المساعدة والى منظور واضح للعب دور إيجابي في تحقيق تكامل شبه الجزيرة العربية.

رابعا، كانت المنطقة في العقد الأخير خصوصا مع وقوع حرب الخليج الثانية وبعض النتائج التي ترتبت على تحقيق الوحدة اليمنية، ميدانا للنزاع والتوترات مثلما كانت أوروبا في الجزء الأكبر من القرن العشرين. وللكثير من الأفراد فإن السلم والاستقرار في أوروبا قد تم تحقيقهما من خلال تأسيس وتوسيع الاتحاد الأوروبي ـ الذي ضم بلدانا كانت جزءا من الكتلة الشيوعية ـ قد أنهى آخر منطقة توتر كانت قائمة على حدوده. وباتباع هذا المثال سيكون بإمكان مجلس التعاون الخليجي أن يضمن تحقق استقرار طويل الأمد في شبه الجزيرة العربية. وهذا سيعني على الأمد الأطول ضم العراق إلى مجلس التعاون الخليجي بعد تحقق الاستقرار الشامل فيه.

يبدو أن الضرورة في تحقيق التكامل شبيهة بتلك الضرورة التي تحكمت في خيارات أوروبا. إذن لم لا يتم التوجه مباشرة إلى الهدف والبدء بتحقيق الخطوات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي؟ وإذا كانت هناك حاجة واضحة لتحقيق التكامل فإن الشروط مختلفة كثيرا بالنسبة لبلدان مجلس التعاون الخليجي. فأولا، هناك الاختلاف الشاسع بين اقتصادها وبين اقتصاد اليمن، وهذا أكثر مما هو قائم بين بلدان الاتحاد الأوروبي الخمسة عشرة ودول أوروبا الشرقية، هذا إذا أخذنا بالاعتبار حجم اليمن الجغرافي. كذلك هناك اختلاف أكبر من حيث الأنظمة السياسية واستعداد أقل للتنازل في أمور تخص السيادة الوطنية داخل بلدان شبه الجزيرة العربية. كذلك فإن مجلس التعاون الخليجي لا يمتلك دعما مماثلا للدعم المقدم للاتحاد الأوروبي من خلال وجود أمانة عامة خاصة به تتمتع ببيروقراطية هائلة في بروكسل، مهمتها وضع التفاصيل المطلوبة لتحقيق توسيع الاتحاد، وهذه مهمة تتطلب عددا لا يحصى من المفاوضات في التفاصيل والقوانين الجديدة وآليات فرضها.

وبأخذ الفوارق الكبيرة الموجودة بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي بالاعتبار، قياسا بما هو موجود بين أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية، فإن ما يمكن الاستفادة من تبنيه من الاتحاد الأوروبي هو ما يمكن تسميته بـ «نموذج التزامل» الذي استخدم لتقريب البلدان أكثر فأكثر للاتحاد الأوروبي بدون منحها العضوية الكاملة مباشرة. ويمكن للتجربة التركية مع الاتحاد الأوروبي أن تكون بناءة هنا. مع ذلك فإن ذلك سيوفر حلا على الأمد القصير، ولعله من الضروري لمجلس التعاون الخليجي أن يعرض على اليمن أفقا، اكثر واقعية، على الأمد المتوسط مما عرض على تركيا عام 1963، حتى لو أن ذلك العرض هو أقل من الحصول على العضوية الكاملة في المجلس، فإن مكافآته والأفق الزمني له يجب أن تكون واضحة. والشيء الجيد هو أنه على الرغم من أن اليمن هو بلد صعب أمام التغيير، فإن مجلس التعاون الخليجي يستطيع على الأقل أن يستفيد من حقيقة أن بلدان مجلس التعاون الخليجي هي أقل تقدما في تكاملها قياسا بالاتحاد الأوروبي: فهي لديها «لحم» أقل على الهيكل العظمي الخاص بمجلس التعاون الخليجي، وهذا ما يزيد من تحقيق تكامل البلدان الجارة لمجلس التعاون الخليجي، خصوصا أن الكثير من الميادين الاقتصادية والسياسات الأخرى لبلدان مجلس التعاون الخليجي لم يتم مسها بعد ووضعها ضمن اتفاقيات قانونية.

كذلك يجب الإشارة إلى أن الكثير مما يمكن تحقيقه يعتمد على مدى سعي مجلس التعاون الخليجي في تحويل رؤاه إلى واقع. لكن حتى بعد تبني الإعلان عن العملة الواحدة، فإن عددا من الأسئلة يظل مطروحا: هل سيكون هناك حقا مصرف مركزي مشترك؟ وهل ستكون مؤسسات معنية بوضع القوانين على مستوى أوسع بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي؟ وهل سيكون هناك تشريع موحد خاص بدول مجلس التعاون الخليجي؟ كذلك على مجلس التعاون الخليجي أن يقوم بتوضيح طموحاته الاقتصادية والسياسية على المدى البعيد. وفي هذا المجال يعتمد قبول اليمن المحتمل على المتطلبات والنتائج الناجمة عن ذلك، وهذه لا يمكن مناقشتها بشكل منفصل عن الهدف النهائي الذي يريد مجلس التعاون الخليجي الوصول إليه. وفي كل الأحوال فإنه على الرغم من أهمية الإلهام الأوروبي سيظل مهما على مجلس التعاون الخليجي أن يحدد مستقبله الخاص وفق شروطه الإقليمية الخاصة به.

*باحث الماني عن منطقة الخليج في جامعة اكسفورد

** باحث فرنسي في العلوم الاجتماعية في جامعة باريس

(المقال خاص بالشرق الأوسط)