من الذي تغير؟

TT

اعجبتني اجابة الداعية السعودي سلمان العودة في رده عندما سئل عن سبب تغيير مواقفه، وفيما اذا كان سجنه وراء ذلك. الشيخ سلمان في مقابلته مع الزميل تركي الدخيل رفض الفكرة، مؤكدا انه لم يتغير بل المجتمع هو الذي تغير، «مثلاً الإعلام الرسمي أصبح يقول الكلام الذي بسببه دخلنا السجن، ربما الكل أو الكثيرون شاهدوا مثلاً بعض المسلسلات اللّي تُعرض في التلفزيون السعودي وبعض القنوات الأخرى، وتُقدم جرعات من النقد، مثلاً نقد الأجهزة الأمنية، نقد الأجهزة الاجتماعية إلى غيرها. مقصودي أن الذي قالته الكثير من مؤسسات الصحوة وأدبياتها يُقال الآن بالراحة في الصحف ووسائل الإعلام وفي الإعلام الرسمي وليس عليه (ملاحقة)، يعني ارتفع سقف الحرية فأصبح يُقال».

حديثه صحيح ولا يمكن ان يفوت رصد التطور الحادث عينا من يهتم بالحركة الفكرية والاجتماعية. واذا كانت هذه المراجعة معقولة فكيف نرى النتيجة ؟ ارتفاع السقف لم يضعف النظام كما كان يخشى البعض، ولم يقو الطرف الآخر اكثر من المقبول، أيضا. والمعارضة جاءت ملونة، فقد عكست بعضها ضميرا صادقا، وبعضها هدفها سياسي ذاتي.

رفع سقف الحريات يعكس نضوجا رسميا، قابله نضوج فكر بعض المعارضين انعكس على طروحاتهم من تبدلات ايجابية، والشيخ العودة واحد منهم، الذي هو تغير ايضا رغم نفيه ذلك.

وفي غمرة الحديث عن النضج والسقف والمشايخ والسياسة قد يسأل البعض عن الحصانة والقبول والرفض. لماذا يهاجم شيخ كبير كعبد المحسن العبيكان، عارض كالعودة من قبل، عندما يرفض دعوة «الجهاد» في العراق، ولا أحد يلوم العودة الذي قال الشيء نفسه ؟ السبب ان هناك شعورا بأن العودة لا يريد ان يواجه تلاميذه بما لا يعجبهم سماعه، اما الأول فقد حوّل رأيه الى موقف واضح وكرره.

ولو أراد احدنا ان يؤرخ لحقبة الانتقال ويقيمها، فلا مناص من الاعتراف بان التطرف سمة ادبيات الفترة التي اتسمت بالصحوة. فقد كانت الحاضنة لمعظم نتائج الوضع المبالغ فيه الذي نراه اليوم. بمعنى ان احداثا كالعراق وفلسطين والشيشان اصبحت الهواجس الأولى عند صغار الشباب في وقت يتحدث نظراؤهم عن الرياضة والدراسة والوظيفة. وصحيح ما حملته اجابة العودة من ان فكر الصحوة صار جزءا من الطرح الرسمي والاعلامي العام والخاص. مصيب في ما قاله عن ارتفاع السقف، أي هيمنة طرح «الصحوة» في التسعينات على واقع اليوم فكرا وعملا. دعاةٌ كالعودة تخلوا عن الحدة المشهورة قبل عشر سنين لكنها بقيت مرتفعة النغمة عند غيره. وهو يقول مبررا «إن الإنسان يجب أن يتربّى على الصبر في المواجهة والاندفاع، والصبر في الإحجام أيضاً».

كثير من القضايا الخطيرة اليوم، مثل الخطف والجهاد وكراهية الغير ومحاربة الواقع السياسي القائم والتوسع في تفسير النهي عن المنكر، متروكة لغمغمات كبار الحركيين الذين يرفضونها لكن يقولونها على استحياء. والشيخ راشد الغنوشي، الزعيم الاسلامي التونسي نموذج شهير بتسييس الطرح رغم انه من بناة الفكر الاسلامي الليبرالي الحديث. وليسمح لي الشيخ العودة ومن معه بالقول ان الخطر الحقيقي على المجتمع هو عندما يعمد الطرف الآخر تسييس كل شيء وتبني المعارضة انسجاما مع مواقف شعبية او السكوت عليها.

[email protected]