آسام وكردستان

TT

اغتاظ الكثير من الكرد مما قلته بشأن تمسكهم باعتماد الكردية لغة رسمية والتركيز عليها في الدراسة والعمل. تصوروا أن ما قلته جاء من عروبيتي ومحاباتي للغة العربية. وانا أبعد ما يمكن من كلتيهما. انني انظر لهذه الأمور من زاوية عملية ومصلحة الشعب المعيشية. اعتماد الكردية سيعرقل نمو كردستان ويسيء لمستقبل ابنائها. وقد قرأ الدكتور وسام قندلا، مقالتي «هربجي كرد وعرب» فخطر له ان يغنينا بما خبره عن تجربة مشابهة خلال دراسته واقامته في ولاية آسام في الهند لعدة سنوات. وهي منطقة مشابهة لكردستان في طبيعتها الجبلية وروحها الانعزالية والقومية. فبعث لي برسالة اقتطف منها هذه السطور:

عشت لمدة من الزمن في الهند معظمها في آسام. وهي منطقة غنية بالموارد الطبيعية، خاصة البترول وزراعة الشاي. معظم سكانها انعزاليون لا يحبون الاندماج أو تعلم أي لغة اخرى ويكرهون من يأتي للعمل عندهم من الولايات الاخرى. حصلت اضطرابات عرقية في اواخر الستينات ذهب ضحيتها الكثيرون من اجل فكرة آسام للآساميين واعتماد لغتها المحلية. هاجر العديد من المتعلمين غير الآساميين من المنطقة خوفاً على حياتهم. اضطرت الحكومة في نهاية المطاف للاذعان لمطاليبهم. اتذكر كيف ان حتى الاطباء بدأوا يكتبون تقاريرهم ووصفاتهم بالآسامية وغيروا كل شيء إليها.

في مطلع هذا العام انتابني الحنين لزيارة الهند بعد 32 عاماً. فوجئت بالتقدم العلمي والتقني والاقتصادي الذي حصل خلال هذه المدة في الهند، لكنني صدمت عند ذهابي إلى آسام وزيارة جامعتي القديمة. فوجئت بالتأخر الذي حط في المنطقة في جميع النواحي بدون استثناء وكأن عجلة الزمن قد توقفت فيها منذ نالت حكمها المحلي.

ما أقوله هو أن التفكير الضيق بالنزعات القومية لا يجلب للمجتمع غير التأخر والفقر والبؤس في هذا العالم المعاصر الذي اصبح قرية صغيرة متكاملة لا يمكن لأي فرد أو دولة أو جنس ان يعزل نفسه فيها عن الآخرين. ما اتمناه هو الا يرتكب اخواننا الاكراد نفس الخطأ الذي ارتكبه 22 مليون مواطن آسامي في الهند عندما صوتوا للاستقلال في الاقتراع الذي نظمته الحكومة لهم.

أود أن اذكرك يا دكتور قندلا وانت من رجال الطب بالتجربة التي حاولها النظام البعثي في العراق بوحي الفكر القومي عندما حاولوا تدريس الطب باللغة العربية. الحمد لله أن كان لهم ما يكفي من العقل ليتركوا المحاولة ويعودوا للتدريس بالانجليزية. هذه امور عملية تمس حياة الناس.