«اليورو» لا ينبح ولا يعض

TT

يرى عدد كبير من الناخبين الاميركيين، ان الرئيس بوش قد اهمل سجله الاقتصادي بطريقة يمكن ان تؤدي الى اسقاط أي رئيس. ويدين الرئيس بالعرفان لالن غرينسبان ـ وبدرجة اقل الى فرانسوا ميتران وهيلموت كول.

فارتفاع اسعار النفط، ونقص العمالة خلال رئاسته، والعجز التجاري وعجز الميزانية الذي لم يسبق له مثيل، وخفض الضرائب التي يمكن اعتبارها مسؤولة عن تعريض نظام الضمان الاجتماعي للخطر، ليست في العادة من عناصر المنافسة السياسية. اسألوا جيمي كارتر او بوش الأب.

لكن بوش وبعدما تعرض الى هجوم كاسح من جون كيري بخصوص تلك الحقائق الاقتصادية، يتقدم استطلاعات الرأي العام او يتعادل مع منافسه، مع اقتراب موعد الاقتراع. والصياح المتزايد حول امدادات النفط وضعف الدولار الذي أثر على موقف كارتر، أو الشكاوى المستمرة بخصوص عجز الميزانية التي تعرض لها بوش الأب، تبدو تحت السيطرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وإذا ما حققت حملة بوش النصر فستكون راغبة في توضيح انها المسؤولة عن ذلك ـ نتيجة لنظرية الأمن القومي التي تؤيد رسالة المصالح الذاتية الاقتصادية. وهناك حقيقة كافية لدعم وجهة النظر تلك. ولكن ليست الحقيقة الكاملة، التي تشمل التفاعل المعقد لاقتصاد عالمي تعلم من الاخطاء السابقة.

وربما لا يكشف التاريخ عن بدائله. ولكن الاقتصاد ليس بهذا النظام والترتيب. فالاقتصاد العالمي كان سيبدو مختلفا ـ وأكثر تهديدا ـ بالنسبة للأميركيين وهم يستعدون للادلاء بأصواتهم، لو ان 12 دولة اوروبية لم تقض فترة ربع القرن الماضي وهي تؤسس للعملة الاوروبية الموحدة اليورو.

ان الاستقرار النسبي للدولار الاميركي امام اليورو وأسواق العملات، في هذه الوقت الذي يشهد الكثير من الاضطرابات الاقتصادية، ساهم في تركيز الحملة الانتخابية وصرف انظارهم عن سجل بوش الاقتصادي. لقد سمع شرلوك هولمز الكلب الذي لم ينبح، واليورو هي العملة التي لم تعض.

ان أي مساهمة من جانب القيادات الفرنسية والألمانية في اعادة انتخاب بوش، بإقرارها اعتماد عملة جديدة في التسعينات، لم تكن مقصودة، ولكن التراث النقدي لميتران وكول وغيرهما، لا يتناسب مع المحفزات المالية واستقرار اسعار الفائدة التي خدرت، بصفة مؤقتة، قطاعا عريضا من الناخبين الاميركيين من الآلام الاقتصادية.

التحذير من ان سقف العجز على وشك الانهيار لم يتحقق، كما حدث عندما ركز روس بيرو وبيل كلينتون عليها في انتخابات 1992. وكيري مسؤول جزئيا، فهو لم يجعل خفض العجز في الميزانية اولوية. وقد لمح الى امكانية تحمل الأعباء عندما تتم زيادة العائدات، عن طريق الغاء خفض الضرائب المفروضة على الشرائح العليا، وإنفاق هذا المبلغ على الرعاية الصحية.

العوامل الرئيسية التي تلعب دورا في عدم إحراز بوش تقدما حاسما وواضحا ضد منافسه كيري، يمكن تلخيصها في هجمات 11 سبتمبر 2001، وحالة الركود الاقتصادي التي بدأت مع بداية تسلم بوش مهامه الرئاسية. والتقدم غير المتكافئ للاقتصاد الاميركي، منذ ذلك الوقت، والذي يعتبر في حد ذاته، سببا في توجيه اللوم الى بوش او تبرئة ساحته، حسبما يريد الناخبون.

إلا ان مستشاري بوش يعترفون بفضل الناخبين في تفهم حقيقة ان الرؤساء لا يملكون سلطة حقيقية على الاقتصاد الاميركي. هذا ما عبّر عنه مستشار بارز لدى بوش، عندما قال لي قبل انطلاق الحملة الانتخابية، ان الناخبين يسألون عن مدى اجتهاد وسعي الرئيس في هذا الجانب. اذا اثبتنا ان بوش يفعل ما بوسعه في هذا الشأن فإننا سنكسب.

يمكن القول ان المعدلات المنخفضة لأسعار الفائدة على نحو غير مسبوق، تشير الى ان مصرف الاحتياط الاميركي لعب دورا مهما في عدم احساس العائلات الاميركية بالأوجاع الاقتصادية في حياتها ومعيشتها اليومية. كما ان معدلات التضخم المنخفضة كانت بمثابة مخدر قوي حال دون الشعور بهذه الاوجاع.

غابت عناوين الاخبار الرئيسية حول انخفاض قيمة الليرة الايطالية والفرنك الفرنسي والمارك الألماني. وعلى الرغم من تراجع انسياب رأس المال للشهر السادس، فإن البيت الابيض تحاشى أي هبوط مفاجئ لقيمة الدولار يمكن ان يحسب على ادارة بوش.

لم يكن هناك أي حديث حول هذا الجانب. فاستقرار السوق الاوروبية الذي فرضه اليورو (والاستخدام البارع للعملة بواسطة حكومتي اليابان والصين)، افرز نوعا من التواطؤ الدولي المفيد سياسيا لبعض الاطراف، وذلك بالصمت ازاء ما يتعلق بوضع الدولار. فالرؤساء الذين لا يزالون في السلطة يضطرون في بعض الظروف الى مساعدة بعضهم بعضا.

* خدمة «واشنطن بوست»

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)