الكتابة عن سوريا

TT

لعل الكتابة عن سوريا هي أشد المواضيع حساسية هذه الأيام، وبالذات في هذا الظرف الذي تمر به سوريا العزيزة. فسوريا ليست كأي بلد عربي آخر، اقصد من حيث الواقع والظروف والمواقف السياسية. وتكالب قوى عديدة خارجية وإقليمية على سوريا، يضع المرء في وضع محرج. فالكتابة التقليدية التضامنية مع سوريا لن تجدي سوريا نفعا، وسوف يترجمها السذج على أنها تعكس موقفا قوميا، بينما سيفهمها العقلانيون على أنها حبر على ورق لا طائل من ورائه. والكتابة النقدية أو النصائحية، قد تفهمها بعض أوساط القرار السوري على أنها جزء من الحملة ضدها. ففي سوريا تيار قديم يترجم كل ما يكتب وما يقال عن سوريا على أنه خيط من مؤامرة تحاك من دون هوادة ضد سوريا.

لا يمكن الكتابة عن سوريا بصدق من دون التطرق إلى العلاقة السورية ـ اللبنانية. العقلاء ومحبو سوريا يرون في ضغطها الأخير للتمديد للرئيس لحود غلطة الشاطر. ففي وقت تتجه كل السهام نحو سوريا، جاء الرأي الخطأ في الوقت الخطأ بضرورة التمديد للرئيس لحود. وكأن من قدم هذا الرأي تآمر إدراكا أو غباء على سوريا، وقدم ذريعة جديدة للمتربصين بها.

العلاقة بين سوريا لبنان لا يمكن لها أن تستقيم من دون تحديد طبيعتها. فالموقف الرسمي المعلن في سوريا، هو أن لبنان دولة مستقلة ذات سيادة. لكن واقع الحال لا يقول بذلك أبدا. ومحاولة إقناع الآخرين به هو محاولة للتذاكي لا يستسيغها اللبنانيون ولا يتقبلها المجتمع الدولي.

في لبنان، لو ألقيت التحية على أصغر مسؤول لبناني، ولو كان مختار ضيعة صغيرة في البقاع الغربي، لرد عليك التحية بعبارة «تلازم المسارين». ولكن لو تكلمت مع أي لبناني بسيط كسائق تاكسي أو عامل في مطعم، لاشتكى من السوريين ومن الوجود السوري العامل ـ وليس العسكري فقط ـ في لبنان.

اللبنانيون مجمعون عرفانا على الدور الذي لعبته سوريا لإيقاف الحرب الأهلية. ولمنع لبنان من التحول إلى حديقة خلفية لإسرائيل. ومن التضامن والدعم الذي قدمته سوريا للمقاومة اللبنانية التي طردت المحتل من الجنوب. لكنهم أيضا، مجمعون على أن المرحلة تغيرت. وبأن العالم تغير. وبأن العلاقة بحاجة إلى إعادة صياغة. وبأن الشيء الوحيد الذي لم يتغير هو في طبيعة العلاقة الفوقية التي تمارسها سوريا في لبنان. وبأن استمرار هذه العلاقة بشكلها الحالي والتقليدي، هو الذي أعطى الذريعة تلو الذريعة لتدخل الآخرين في محاولات تغيير طبيعتها. وهي المحاولات التي أثمرت قرار 1559 والبيان الصادر من مجلس الأمن يوم الثلاثاء الماضي، الذي يطالب القوات السورية بالخروج من لبنان تطبيقا للقرار السالف الذكر. وقد صدر بيان مجلس الأمن المذكور بإجماع أعضائه بمن فيهم الجزائر ـ العضو العربي الوحيد حاليا بالمجلس.

كما أن من العبط الحديث عن تقديم النصح لسوريا من دون التطرق لمسائل الديمقراطية وحقوق الإنسان. والحق أن سوريا ليست حالة شاذة في وسطنا من حيث غياب الحرية وانعدام حقوق الإنسان. لكن سوريا الآن تحت المجهر الدولي لأسباب خارج إطار هذه المقالة. ومن المنطقي أن تبادر سوريا إلى نزع فتيل الهجوم الإعلامي الصهيوني عليها، وسحب بساط الذرائع التي يسوقه أعداؤها في هذا المجال.

كما أن العامل العراقي عنصر أساس في صياغة سوريا لتحالفات المرحلة، وتخفيف الضغط الظالم ـ العادل عليها. فالعراق الآمن ليس جنة للأميركيين. والعراق المحتل ليس خيرا للسوريين ولا للعراقيين. ولكن الدور السوري محوري في تشكيل العراق المقبل، والتعجيل بفرج خروجه من دوامة العنف والفوضى، وبالتالي الاحتلال القائم.

عقولنا قبل قلوبنا مع سوريا. والخوف أن تستمر سوريا فريسة أوهام الغوغاء، والمغرضين بقصد أو من دون قصد.