الجمل غير المكتملة

TT

كثيرة هي المشاكل التي تواجه علاقتنا بحكامنا ، وعلاقة حكامنا بنا ، ولن أكون منحازا فأقول إن السبب دائما يكمن في الطرف الأول ـ الذي هو هم ـ ولكن أظن أن الطرف الثاني ـ الذي هو نحن ـ يتحمل جزءا لا بأس به من الأسباب .

ولعل من بين الأسباب المشتركة بين الطرفين ـ هم ونحن ـ أن كلينا لا تكتمل معه دورة الفعل ، بمعني أن كلينا لا يستمر فيما يقوم به ، نبدأ العمل ولا نتمه ، نتحمس للفكرة ولا ننفذها ، نطلق الدعوة ونتناقض في أدائنا مع ما ندعو إليه. ولتطبيق هذا المنطق على أرض الواقع، أطرح بعض النماذج لأداء لم يكتمل ، ولجمل لم تستكمل ، ليست نماذج لوقائع ، ولكنها نماذج لأداء .

لعل نموذج مؤتمر الحزب الوطني الحاكم الأخير في مصر، يعد مثلا قادرا على شرح ما أعني . بدأ المؤتمر وحمل من الشعارات ما حمل ، وطرح من المشروعات ما أعطى البعض أملا في أن تغيرا ما مقبل . لكن المؤتمر انتهي، وانفض المولد، وعادت الأمور إلى وتيرتها الأولى ، واختفى الذين احتلوا ساحات الصحف ، وشاشات التلفزيون عن الساحة ، ولملم المؤتمر أوراقه ، ومعها شخوصه ومشروعاته ، وبالتالي تراجع أو تلاشي أي أمل جرؤ أن يولد خلال الفترة الماضية .

لا أشكك في نوايا المؤتمر ـ أي في أعضاء المؤتمر ومنظـميه ـ حتى الآن على الأقل ، ولكن أشك كثيرا في قدرة الاستمرار لدي القائمين على هذه الملفات ، أو القدرة على التواصل مع البشر لتوصيل رسالتهم ، أو القدرة على العمل المستمر ذي الوتيرة الواحدة أو المتصاعدة، للوصول إلي تحقيق الهدف .

لا أتحدث هنا عن مؤتمر الحزب بذاته ، ولكن هو نموذج للأداء الرسمي غير القادر علي الاستمرار والتواصل ، التواصل بمفهوم تطوير الأداء والاستمرار بقوة دفع متزايدة ، والتواصل بمفهوم القدرة علي ايجاد لغة مشتركة يتواصل بها المسؤولون مع البشر ، مع الطرف الثاني ـ الذي هو نحن ـ لذلك حتى لو امتلك الطرف الأول رسالة ما، فإنه يعجز عن أن يوصلها إلينا ، لأنه لا يمتلك أو لا يريد أو لا يعلم لغة الحوار وأسلوب التواصل معنا . لذلك تستمر حياتنا ومشروعاتنا عبارة عن نبضات تتسرب عبر حالة سكون اختيارية ارتضيناها حكاما ومحكومين . لا نملك الرغبة أو القدرة علي استكمال الجملة التي نبدأها ، وفي بعض الأحيان نبدأها بداية جميلة توحي بشيء أفضل ، ولكن نعجز عن الاستمرار أو نضرب عن الاستمرار .

ما حدث في مؤتمر الحزب هو حالة متكررة ، حالة متكررة في كل الأحزاب العربية حاكمة ومعارضة ، في كل القوى السياسية ، في بيوتنا ، نفتقد دوما الاجابة عن السؤال : وماذا بعد؟ نفتقد ما سبق أن أطلقت عليه ثقافة اليوم التالي ، فنحن نعيش اليوم ولا نفكر فيما ينبغي أن نفعل غدا . حتى بدا الأمر وكأنه جزء من تركيبتنا من ثقافتنا ، من رؤيتنا لأنفسنا ولحضورنا ودورنا في الحياة ، جمل لا تكتمل ، وأفعال لا تتم .

ويبقي السؤال ، من الذي عليه عبء البداية ، الطرف الأول أم الطرف الثاني ، أم طرف ثالث لا نعلمه؟

[email protected]