مهنية المعلم أولا

TT

ازداد الحديث عن المناهج التعليمية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر،واتجه الكثيرون الى تحميلها مسؤولية الحدث، وفي رأيي أنه لا يمكننا أن نحمل المناهج السعودية المسؤولية بهذه البساطة، الا بقدر ما يمكننا تحميل المناهج التعليمية الأميركية والمطبقة في الولايات المتحدة مسؤولية فضيحة أبو غريب والممارسات المشينة للجنود الأميركيين، خاصة أن السعوديين الخمسة عشر الذين نفذوا الجريمة من بين عشرين مليون سعود ي آخرين مسالمين، قد تلقوا تعليمهم الجامعي في الولايات المتحدة نفسها، أما تحديد لو كانت المناهج والكتب المدرسية تحرض فعلا على الارهاب فذلك يتطلب دراسة تحليلية لمحتوى المناهج، تعتمد على أسس علمية واحصائية، كما أن ليس كل شيء في مناهجنا التعليمية سيئا، فمنهج الرياضيات على سبيل المثال من أقوى المناهج المطبقة في العالم، وتعليم الطالب السعودي القرآن والسنة وأركان دينه من الأمور التي لا فصال فيها ولا مساومة في البلد الذي يقوم على الشريعة ويضم الحرمين الشريفين ويتجه اليه مليار مسلم خمس مرات في اليوم.

هذا لا يعني بالتأكيد أن مناهجنا مثالية، بل فيها الكثير من نواحي القصور التي تحدث عنها الكثير من الكتاب السعوديين، بدءا من افتقار بعض الفصول للبيئة التعليمية الصحية، وازدحامها والافتقار الى أجهزة أساسية كالتكييف وأجهزة الكومبيوتر وأخيرا تأخر وصول الكتب، لكن الكارثة أكبر اذا عرفنا أن التذمر من أساليب التعليم لا يقتصر فقط على المدارس الحكومية بل يمتد أيضا الى المدارس الأهلية ذات الامكانيات العالية والتي يدفع فيها الأهالي أقساطا مرتفعة في سبيل الحصول على نوعية تعليمية جيدة لأبنائهم، فأين الخلل؟

اننا نتحدث كثيرا عن مهنية الطبيب، وذلك بضرورة اتقانه لعمله وعدم افصاحه لأسرار مرضاه، وعن مهنية الصحافي وضرورة التزامه الموضوعية في نقل الخبر والحيادية في التناول والابتعاد عن الآراء الشخصية، لكننا لم نتحدث يوما ـ على حد علمي ـ عن مهنية المعلم، والتي تتطلب منه أيضا اتقان عمله وعدم اقحام آرائه الشخصية وأفكاره السياسية وتكفير بعض الفئات المسلمة التي تعيش بين ظهرانينا والتي تدرس من المناهج نفسها، والذي يتنافى مع أبسط قواعد الأمانة العلمية.

يمكننا أن نتجاوز الكثير من سلبيات التعليم لو غيرنا نظرتنا الى مهمة المعلم بشكل جذري، واعتبار المدرسة التي يقضي فيها الانسان أكثر من عشرة آلاف ساعة من عمره داخل أسوارها مكانا لتنمية المهارات وليس لاعطاء المعلومات التي أصبحت متوفرة بكبسة زر في ظل توفر الإنترنت، على سبيل المثال: تنمية مهارات استخدام الحاسب واللغة الانجليزية، تنمية مهارات الحوار والبحث عن المعلومة ـ ليس سرا أن الطالب يتخرج من دون أن يقوم ببحث علمي واحد مما أدى الى رواج تجارة الأبحاث في عالمنا العربي ـ وأيضا مهارات التحليل والربط وقبول الآخر والتفكير الحر والخلاق ومهارات احترام العمل أيا كان نوعه واحترام الوقت وتنمية مهارات العمل الجماعي والعمل التطوعي وغيرها. ويظل السؤال الموجع الذي يفرض نفسه: هل المعلمون والمعلمات هم أنفسهم يملكون هذه المهارات؟

* كاتبة سعودية