تنطق وهي رميم

TT

المادة التاريخية المدونة عن رحيل كوزيمو مديتشي الاول وعائلته مثل فيلم هندي، فقد قيل أن أحد ولديه انقض على شقيقه فجندله بالسيف أثناء رحلة صيد ولما رأى الأب ذلك الحادث الدامي هجم من غيظه على الولد الباقي فخرق صدره بخنجر. وتمضي الرواية/ الفيلم لتقول إن أم الولدين ماتت كسيرة الفؤاد على ولديها فتبعها الأب بعد أسابيع قليلة.

انتهت الرواية التاريخية المعتمدة الى ما قبل شهور عدة عن نهاية واحدة من اعرق العائلات الحاكمة في اوروبا في عصر النهضة، أما الآن فصار لزاما على المؤرخين أن يعتمدوا رواية أخرى أكثر علمية ودقة وليس فيها كل تلك التراجيديا المكثفة والفضل للعلم الذي يصحح التواريخ والفلسفات والنظريات التربوية ويجعلنا نكتشف جديدا في كل يوم جديد.

لقد تم العثور على عظام آل مديتشي قبل فترة من الزمن في كنيسة سان لورينزو في فلورنسا وبعد مفاوضات طويلة بين علماء ومؤرخين من الولايات المتحدة وايطاليا تم السماح للعلماء بفحص عظام الأسرة لتنطق وهي رميم بحقيقة ما جرى لأصحابها، ولدهشة العلماء فان الرواية المعتمدة عن تلك التراجيديا التاريخية كانت كاذبة بالكامل فليس هناك آثار خناجر وسيوف على عظام الولدين اللذين يرجح العلماء وفاتهما بالملاريا.

والأمر لا يتوقف عند فضيحة التاريخ فالعلم يفضح الفن أيضا من خلال عظام هذه الاسرة المنكوبة، فالصورة الوحيدة الباقية للأميرة ألينورا اوف توليدو أم الولدين تظهرها كواحدة من أجمل جميلات أوروبا في عصرها وهي من ابداع رسام بلاط آل مديتشي أجنولو برونزينو الذي تعاطف كما يبدو ونظرا لجزالة العطاء اكثر من اللازم مع ملامح الأميرة دون أن يدري ان العلم سيفضحه بعد أربعة قرون على رحيله.

لقد اعطيت صورة وتفاصيل جمجمة الأميرة الإسبانية التي تزوجت من حاكم ايطالي لخبراء كومبيوتر تمكنوا من خلال تكنيك معروف لدى دوائر الشرطة منذ زمن طويل ان يرسموا الصورة الحقيقية للأميرة فاذا بها وعلى غير ما أوحى به رسام البلاط أقرب الى الحصان منها الى الغزلان، الأمر الذي يؤكد صحة تشنيعات قريبتها كاترين دي مديتشي التي تزوجت هنري الثاني وحكمت من خلاله فرنسا وابتكرت أثناء اقامتها المديدة والسعيدة في باريس الملابس المخرمة التي ظلت مفضلة عند النساء والرجال منذ القرن السادس عشر الى أيامنا.

في ذلك العصر، كان لكل أمير مكيافيللي ينصحه ويشير عليه ولكل أميرة فنان يحاول اظهارها أجمل من غيرها من الأميرات. واذا كان عمل الرسام مع الاميرات القبيحات مفهوما ولا يدخل تحت طائلة عمليات التزوير التي يعاقب عليها القانون فما هو عذر المؤرخين في تقديم تلك الروايات التي لا أساس لها من الصحة؟

الجواب السهل أنهم مزورون فكل مؤرخ رسمي يكتب ما يرضي أميره لكن لماذا التزوير والأمر لا يتعلق بدسائس ومؤامرات وحروب بل على ذمة العلماء الذين فحصوا العظام بموت عادي من وباء منتشر آنذاك في فلورنسا؟

من يبحث عن جواب لهذا السؤال عليه الانتظار لمدة شهر على الاقل فقصة فحص عظام آل مديتشي ستبث كاملة في برنامج تلفزيوني على ديسكفري في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل وعندها سنعرف على وجه الدقة لماذا يخون فنانو البلاط ضمائرهم ولماذا يصر المؤرخون الرسميون على الكذب نيابة عن أعيان الزمان حتى أثناء سردهم لحوادث الوفاة بالأوبئة.

[email protected]