رجل برأسين

TT

كنت ماراً في الشارع عندما لاحظت لوحة بائع الجرائد تقول: «العلماء ينجبون طفلاً بوالدتين». ولكنني بدون نظارتي ومن مسافة قرأت الخبر «برأسين»، وليس بوالدتين. فهللت فرحاً بالخبر. وهذا، ليس لأن الموضوع يعنيني من بعيد او قريب. فأنا لدي رأس واحد ومعذبني كل حياتي ولا أريد أن اضيف له رأساً آخر. لكنه موضوع حيوي بالنسبة للعراق. ففي هذه الأيام التي شرع البعض فيها بنحر رؤوس المخطوفين سيكون من المفيد ان يكون للانسان رأس ثان احتياطي. فإذا نحروا رأسه يستطيع ان يعيش بالرأس الثاني.

وهذا ايضاً يصلح لعمليات الشنق التي أرى أن الحكومة الانتقالية ستضطر للخوض فيها على نطاق واسع قريباً. فحسب علمي المشانق العراقية مصممة لشنق الرجل برأس واحد.

اذا كان عنده رأس ثانٍ فيستطيع ان يتنفس بالرأس الآخر فلا يموت.. وكل ذلك حتى يتم تصميم مشنقة لرأسين. ولا اعتقد انه بقي في العراق الآن من المهندسين من يستطيع انجاز هذه المهمة.

هذا الاكتشاف مهم لكل البلاد العربية حيث اصبحت الازدواجية ميزة وطنية. نحن نعاني منها بسبب ان عندنا رأساً واحداً ولساناً واحداً. ويسبب هذا بعض الارتباك والتناقض والتراشق بالتهم.

ولكن عندما يكون لكل منا رأسان ولسانان تصبح عملية الازدواجية سهلة وعملية. فبينما يكرس الرأس الأيمن تفكيره وتصريحاته على ذم صدام حسين والتشهير به والترحيب بدخول الأميركان، يكرس الرأس الأيسر، الثاني، تفكيره وكلامه على مدح صدام حسين والإشادة بانتصاراته والتوكل للدفاع عنه.

وعلى غرار ذلك يدخل الأديب والشاعر والمفكر على المسؤول فيعرب احد الرأسين عن الولاء والتعظيم ويقرأ قصيدة عصماء في مدحه بكل اخلاص وايمان ثم يخرج من ديوانه ويلتحق بزملائه في المقهى وينطلق الرأس الآخر في شتمه وتخوينه واتهامه بالعمالة لاسرائيل. وعندما يلقون القبض عليه يدافع عن نفسه فيقول: هذا كله من ذنب الرأس الآخر الذي ابتليت به وانا بريء منه.

في مجلس آخر، يمسك الرأس الأيسر بزمام الحديث ويطالب باصلاح السلطة الفلسطينية واجتثاث الفساد من صفوفها ثم ينتقل إلى مجلس آخر فيتكلم الرأس الثاني الايمن فيقول ليس هناك اي فساد ولا يتطلب الموضوع اي اصلاحات. كل ما في الأمر ان على الجميع ان يلتفوا حول ياسر عرفات ويطيعوا أوامره ولا يجادلوا في سياسته.

شعرت بخيبة عندما تحققت من الخبر. ومع ذلك فأرى ان من المفيد ان نرصد مبالغ محترمة لتطوير مثل هذا الاختراع لما له من نفع في عالمنا العربي.