زمن العجايب

TT

الاعتراف بالحق فضيلة. وأنا في هذا الموقع اقر واعترف بأنني لم اكن ضليعة في الحساب والرياضيات في الزمن البعيد الذي تجلس فيه البنات والصبيان على مقاعد الدراسة. ومع ذلك ورغم ذلك الاعتراف شعرت بالجزع الشديد حين قرأت ان 22% من حالات الولادة في المستشفيات البريطانية هي ولادات قيصرية. فمهما كنت ضعيفة في الحساب والرياضيات، وحتى لو كنت محدودة الذكاء أيضا لأدركت ان هذه النسبة تفوق المتوقع والمعقول. والى جانب ذلك فالاسباب التي ادت الى انتشار الولادات القيصرية ملأتني جزعا لأنها تتعلق برغبات الامهات الحوامل احيانا. قد تكون الحامل جميلة ومشهورة وتخشى على جمالها، وقد ترتعب من فكرة الالم التي تتحمله المرأة اثناء الولادة كما اعدتنا الفطرة والطبيعة لأن نتحمله، مثلهن يفضلن التخدير وشق البطن وشق الرحم واخراج الجنين جراحيا. ويقول الخبر ايضا ان بعض الاطباء الشبان في المستشفيات يخاف من احتمال تعرض الوالدة لمضاعفات اثناء الولادة فيفضل اجراء الجراحة القيصرية لأنها اسرع وأضمن. وفي احيان اخرى يفضل الطبيب ان تلد المرأة جراحيا في موعد يحدده هو لأنه مرتبط بموعد اخر في مكان اخر في التاريخ المتوقع لولادة طبيعية.

وكان من الممكن ان يستمر الحال على ما هو عليه لو لم تجر احدى الجامعات الالمانية بحثا علميا اظهرت نتائجه ان الطفل المولود قيصريا يتعرض بنسبة مضاعفة لامراض الحساسية والربو عن نظيره المولود طبيعيا. فالجنين الذي يولد طبيعيا يمر ببطء في القناة الولادية ويتعرض لبكتيريا حميدة تجد طريقها الى احشائه فتحصنه ضد الامراض في مراحل طفولته.

في بعض الاحيان يكون الحل الجراحي هو الحل الامثل للحفاظ على حياة الام او الجنين او حياة كليهما. فالضرورة لها احكام ولكن ما اتكلم عنه لا علاقة له بالضرورات التي تبيح المحظورات وانما هو عبث بما يقتضيه خلق الله.

ويبدو ان الاسبوع الفائت كان هو اسبوع التحولات التي جعلتني اجزم بأنني اعيش في زمن العجايب.

فقد قرأت ان 33% من النساء والفتيات يؤجلن الزواج والحمل طواعية حرصا على ما اسمته الصحيفة ناشرة الخبر باسلوب الحياة. فقد تكون الفتاة حريصة على حرية الحركة التي تؤمن لها الخروج والسهر والسفر الى درجة تجعلها ترى في الزواج والامومة قيدا ينبغي تأجيله الى اجل تسميه هي. وقد تكون ناجحة في عملها وتأبى ان تتوقف زمنا تخصصه للحمل والولادة خوفا من ان يسبقها اقرانها في الترقي. وقد تعمل وتعمل وتعمل لأنها تعودت على الوفرة والاستقلال التي يؤمنه العمل. وقد يتأخر ظهور الرجل المناسب في الافق بحيث يتأخر الزواج ايضا، ولكل تلك الاسباب غصت العيادات المتخصصة باعداد هائلة من النساء تأتي طلبا لاستخراج بويضات حية من ارحامهن والاحتفاظ بها مجمدة الى ان تقرر صاحبة البويضة انها باتت مستعدة للحمل.

قد يبدو مثل هذا الاجراء عاديا في زمن التطور التقني الى ان يجري بحث علمي بعد عشر سنوات او عشرين لينذر بأن تجميد البويضات قبل الحمل يعرض الطفل للاصابة بأمراض كذا وكذا او يختزل من عمر الانسان المولود من بويضة مجمدة خمس او عشر سنوات.

كل شيء في زمن العجايب اصبح خاضعا للعرض والطلب حتي اشعار اخر، ربما جاء زمن يسأل فيه كل طالب زواج ما يلي: اسمك؟ لقبك؟ سنك ؟عملك؟ طازة ولا مجمد؟. ومادامت المسألة مسألة عرض وطلب فهل تخطئ اذا فضلت لابنتك زوجا طازة بدلا من زوج مجمد؟