جهاد العراق وخطبة أهل حمص !

TT

ما زلنا نتحدث عن حقيقة الجهاد في العراق ، والموقف الشرعي الصحيح منه .

وأتمنى على القارئ الكريم هنا أن يتأمل قول الله تعالى «وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق».

فمن العجيب ان البعض يفتي بأن القتال في العراق فرض عين، ولم يقم هو أو احد أقاربه بأداء هذا الفرض ، وانما يغرر بالشباب المتحمسين، فأينه من قول الله تعالى «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم» وقوله تعالى « يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون».

وفعله هذا يذكرني بقصة قديمة، وهي ان خطيبا من جامع في بلدة «حمص» كان بيته ملاصقا للمسجد الجامع، فخطب يوم جمعة خطبة في الزهد في المأكل والمشرب وأورد حديث (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) وذكر ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأكل القليل من الطعام ، وأن بعض الصحابة والائمة يأكلون الخبز اليابس بالزيت، وقد كان هذا الخطيب معتادا ان تقدم له وجبة غداء دسمة ، وتوضع له مائدة فيها اصناف الاطعمة اللذيذة ، فاستمعت زوجته لتلك الخطبة فظنت ان الرجل قد تغير وزهد، فتصدقت بذلك الطعام ، فلما انصرف من صلاة الجمعة وعاد الى البيت طلب الغداء فجاءت زوجته واحضرت له خبزا وزيتا، فسألها ما الأمر؟ فاخبرته انها استمعت الى خطبته فتصدقت بالطعام ، فغضب منها وقال لها «هل انا اخطب لك أو لأهل حمص؟»

ومن الشروط التي لم يعتبروها عند اصدار تلك الفتاوى ، مراعاة المصالح والمفاسد، فنحن نعلم ماذا حصل في النجف، ففي بداية الامر عرضت الحكومة المؤقتة على مقتدى الصدر ان يسلم هو ومن معه اسلحتهم ويكوِّن حزبا سياسيا، فرفض واعتصم هو ومن معه في المرقد، وبعد قتال شديد ذهبت فيه ارواح الكثيرين من العراقيين، وبعد دمار شديد ايضا في البيوت والمنشآت، نرى مقتدى الصدر يسلم الاسلحة وينفذ رغبة الحكومة المؤقتة ، فهلا كان ذلك قبل الكارثة. وما يحصل في الفلوجة شبيه بتلك الحالة؟ وهذا الذي يحصل هو بسبب عدم تقدير المصالح والمفاسد وبُعد النظر ومعرفة الثمار، والنتائج المترتبة على العمل قبل القيام به. ومما يؤكد ما ذكرت ان كل من اتصل بي على الهاتف الخاص أو عبر برنامج الحوار الغائب، من الاخوة العراقيين من علماء وعامة يؤيدون وجهة نظري وصحة ما ذكرت من المفاسد المترتبة على تلك الفتاوى وعلى استمرار تلك المقاومة، ويتذمرون من أولئك الذين تسببوا في معاناة الشعب العراقي.

* فقيه سعودي