أوروبا الأمل

TT

من يوم إلى يوم يتعزز إيماني بأوروبا كمفتاح لخير البشرية وتقدمها. بالطبع لها ذنوبها الاستعمارية ومسؤوليتها عن تجارة الرقيق وحربين عالميتين وابادة اليهود وخلق إسرائيل وسواها من الآثام، ولكن أوروبا هي التي غرست بذرة الديمقراطية والعقلانية وإلغاء الرقيق وقدمت كل هذه المنجزات الأساسية في ميدان الفنون والطب والعلوم والاستكشاف والاختراع.. الخ.

هي التي قادت حركة التحرر والمساواة والاشتراكية. وفي اطار الاتحاد الأوروبي اخذت تقوم بخطوات جبارة في سلم الرقي الاجتماعي. المؤسف أن أكثرها يجري دون التفات من أحد. من هذه الخطوات التي اعتقد انها سيكون لها أثر بليغ على المجتمع العالمي والاصلاح الاجتماعي توحيد النظام المصرفي والضرائبي.

إذ من أهم العقبات التي عرقلت مسيرة الاشتراكية قدرة ارباب المال على التهرب من الضرائب والرقابة بنقل اموالهم ومكاسبهم المشروعة وغير المشروعة إلى حسابات سرية في ما يسمى بالملاجئ الآمنة، كسويسرا. حالما تشرع حكومة اشتراكية بفرض ضرائب جديدة مطلوبة للاصلاح الاجتماعي، يسرع ارباب المال الى نقل أموالهم الى حيث لا توجد ضرائب ولا رقابة.

ويقع كاهل الضريبة في الاخير على كاهل صغار الناس، فيموت الحافز للانتاج والابداع وتختفي الرساميل اللازمة للاستثمار والتوسع الاقتصادي. يبدأ التذمر من الاشتراكية وضرائبها وسوء ادائها وعدم كفاءتها.

في اطار الوحدة الأوروبية تم الاتفاق على فرض الضرائب على ارباح وفوائد الرساميل اينما كانت واينما سكن صاحبها. وستنضم سويسرا قريباً للنظام الجديد. لم يعد بامكان الاثرياء التهرب من الضريبة، اللهم الا اذا قرروا نقلها الى بنوك العالم الثالث، ولكنني لا أتصور أي ملياردير شاطر يغامر بملياراته في بنك عربي مثلاً. لقد اطبقت الكماشة على الرأسمالي، فأين المفر؟ المقرر الآن فرض الضريبة بنسبة 15% ابتدائياً ثم تصعد الى 35%. بالاضافة لذلك، ساهم الارهاب العالمي في التأكيد على الشفافية. لم يعد هناك مكان للملاجئ الآمنة وحساباتها السرية. على كل البنوك الآن ان تكشف عن اسماء المودعين ومصادر اموالهم. لن تقبل منهم شيئاً ما لم يكشف عن مصدره. (اسمعوا يا اثرياء العرب). اينما تولوا فثمة وجه مفتش الضريبة.

كان تروتسكي أول من أكد على عولمة الثورة بقوله: ان الاشتراكية لا يمكن ان تنجح في بلد واحد، وانما يكتب لها النجاح فقط عندما تسود في كل العالم. ومن هنا جاء بفكرة الثورة الدائمة، أي ان على الثورة ان تستمر حتى تسود الاشتراكية كل العالم. وهذا ما أدى الى اغتياله بايعاز من ستالين الذي خالفه في ذلك.

نستطيع الآن أن نرى شيئاً من الصحة في دعواه في فشل الأحزاب العمالية في أوروبا، ربما باستثناء السويد. يبدو لي ان عولمة النظام الضرائبي وشفافية البنوك ستخلقان واقعاً جديداً يساعد برامج الاصلاحات الاجتماعية وتوسيع نطاق العدالة والمساواة ومحاربة الفساد.