مسلسل صاحبة الجلالة

TT

لا عيب في حلف المصالح المعقود سرا بين الصحافة والتلفزيون فهما يتكاملان، والدليل كثرة البرامج التي تعتمد اعتمادا مباشرا على الصحافة كالظل الاحمر وبين السطور ورئيس التحرير.

وقد جرى تجريب هذا الحلف في حقل الدراما ونجح اكثر من مرة وها هو ينجح مرة اخرى في مسلسل «حلم العمر» الذي تبثه الفضائية المصرية ويوشك ان ينتهي بدليل ان الاحداث بدأت تتباطأ، وتتعقد وتتثاءب وتصبح مملة. وهذه عادة تقليدية في المسلسلات المصرية، فهناك الكثير منها الذي يولد وهو يحمل جرثومة عدم اتقان ترتيب النهايات، والظاهر ان المخرج والطاقم يتعبان بعد عشرين حلقة فيكملان البقية دون نفس. وهكذا يتم انتاج ثلث المسلسل تحت ضغط الارهاق.

وحرام ان تفسد هذه العادة مسلسلا جميلا كحلم العمر، فهو من المسلسلات الممتازة التي كتبها صاحبها (مجدي صابر) وهو على دراية كاملة بعالم الصحافة المثير والمليء بالبطولات الحقيقية وبالاكاذيب ايضا، فنموذج رئيس التحرير (احمد خليل) مع انه غير موجود في الواقع بغزارة، من النماذج الناجحة دراميا، وكذلك نموذج الصحافية نرجس (نيرمين الفقي) الغبية المتسلقة التي تسرق موضوعات غيرها وتتسلق على اكتاف الآخرين لتصل الى أسوأ انواع الوصول.

ونموذج نرجس التي لا تعرف كيف تكتب ومع ذلك تحصل على نصف صفحة ولا تعرف كيف تحرر وتشرف على قسم كامل، له عشرات المثائل والاشباه في الصحافة العربية التي هي اولا واخيرا مرآة للمجتمع العربي بكل عيوبه ونقائصه، ومن هذه العيوب وجود بعض ضعاف النفوس الذين يقدمون المصلحة على المبدأ والانتهازية على اخلاقيات المهنة، فيلمعون من لا يستحق و«يبروظون» عشرات الاسماء التي لا تعرف كيف تكتب اصلا.

ان الحياة العربية الواقعية فيها سبعة اسماء شهيرة ما بين نساء ورجال وكلهم لا يعرفون كيف يكتبون وهناك من يدبج لهم مقالاتهم ويكتب نيابة عنهم فيوقعون على المقال بأسمائهم دون ان يكتبوا حرفا منه، ويتباهون بشهرة هي من حق غيرهم كنرجس في مسلسل حلم العمر، وهناك نكتة واقعية حول هذه الظاهرة، فصاحب احدى الصحف الذي هو رئيس تحرير في الوقت ذاته يهدي لكل مدير تحرير عنده قلما جديدا حين يبدأ العمل معه حتى يستطيع لاحقا ان يقسم ان المقال الافتتاحي بقلمه.

ورئيس التحرير في مسلسل حلم العمر ليس من هذه النوعية، فهو اولا يكتب بقلمه ولا يجعل الآخرين يكتبون نيابة عنه بذلك القلم، وثانيا هو اديب خلاق وصاحب مبادئ ويقول الحق ولو على نفسه، فحين ادمن ابنه المخدرات ـ مثلا ـ شن حملة لمكافحة المخدرات وبدأ من بيته الذي خرب بسبب مقالة عن ادمان ابنه، فطلق امرأته ليتزوج لاحقا من ضحى (عبلة كامل) الشخصية المركزية في المسلسل.

ولأن الاشباه تتلاقى عاطفيا نجح المؤلف في نسج خيطين دراميين ممتازين يمثل كل منهما تيارا كبيرا في الحياة، الاول عن العلاقة بين كائنين اخلاقيين هما رئيس التحرير وضحى، والثاني عن نجاح علاقة اخرى بين كائنين انتهازيين هما شقيقتها نرجس ونائب رئيس التحرير الذي قام بدوره عزت ابو عوف الذي صار يبرع في ادوار النصب والشر والبلطجة فهو صحافي يبيع قلمه مقابل دراهم معدودات، ويضع الاعلان في قالب المقال، وهي عادة شائعة عند عشرات الصحافيين الذين لا يحترمون اخلاقيات المهنة ويدخلون عالم الصحافة بحثا عن «البرستيج» والمال وليس لتأدية خدمة راقية وضرورية للمجتمع.

ومنذ البداية نلاحظ عدم الانسجام بين نائب رئيس التحرير والفتاة البسيطة ضحى التي ثقفت نفسها في كشك للجرائد مع اب كان يحترم الكلمة ويحتفظ في بيته بأرشيف نادر الوجود من المجلات والدوريات التي ساعدت عشرات الباحثين على اتمام ابحاثهم.

وبكل أسف فهذا النوع من الارشفة ينقرض دون ان يسارع احد الى وضع محتوياته على ديسكات واسطوانات مدمجة تحفظ ما فيه من الضياع، فقد كانت الصحافة قبل ان يبتذلوها ويسخروها في خدمة الحكومات والزعامات ضمير الامة وصوتها وحافظة ذاكرتها من الضياع والبعثرة.

والقصة غير المفهومة في هذا المسلسل إقحام مشكلة زواج الثريات العجائز من شبان، فهي ليست من النسيج الاصلي للمسلسل الذي يركز على عالم الصحافة، والصلة الوحيدة ان خطيب ضحى السابق هو زوج الست المليونيرة فادية عبد الغني، وهذه قصة تصلح لمسلسل آخر ولا تخدم سياق حلم العمر الذي ركز بامتياز واقتدار على مشاكل عالم صاحبة الجلالة، فأخرج اجمل ما فيه واقبح ما يحتويه وقدم الطبقتين على مائدة واحدة ليترك للمشاهد حرية الاختيار.

ونأمل الا يختل التوازن في ما تبقى من حلقات هذا المسلسل البديع، وإلا فسوف نضطر للقول بلغة اهل الكنانة «الحلو ما يكملش» وما اقل الحلو والحلوات والحلوين والمسلسلات الحلوة في تاريخ الدراما التلفزيونية العربية، الموزع بين المر والحامض، أما (حامض ـ حلو) فلا وجود له الا في اغاني «اللومي».