إرفعوا سن الرئاسة «الفلسطينية» إلى 75 عاما..!

TT

في مسألة الرئاسة وفي مسألة التغيير السياسي، تركت الكثير من اصدقائي لفترة وهم يكتبون عن التغيير في السياسة العربية على انه يجب ان يكون تغييرا من الداخل، مراعيا للحالة الثقافية لكل دولة، وهذا قول فيه كثير من الوجاهة، وكثير من التبرير والعلاقات العامة، أو ما اسميه انا «بضرب الفشنك» أو ضرباً من الكلام الفارغ الذي لا يصمد ولو للحظة أمام حقائق الواقع السياسي العربي.

الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، هي ان التغيير السياسي في العالم العربي تحكمه ثلاثة عوامل أو اسباب رئيسية وكلها خارجية وليست داخلية، هي تدخل الرب، وتدخل الخارج، وتدخل البيولوجيا. هذا اذا استثنينا حالة الانقلابات العسكرية التي حدثت في مصر والعراق، وهي بالفعل حالات استثنائية في التاريخ العربي.

البيولوجيا وتقدم العمر يعملان عملهما في حالة عرفات، أو القدر كما رأينا في حالة مقتل الرئيس المصري انور السادات، أو الخارج كما رأينا في حالة ازاحة أميركا لصدام حسين. إذن هذه هي العوامل الحاكمة للتغيير في عالمنا العربي. وكما رأينا فجميعها خارجي ولا مكان للداخل فيه. أما اصدقائي من النبهاء، وناظمي القول الذين اتعبونا ولمدة عامين، منافحين عن مسألة التغيير من الداخل، فقد تركتهم يكتبون وانا لا ارد عليهم، ظانا انهم سيسكتون من تلقاء أنفسهم عندما يتبين لهم ان ما يقومون به هو نوع من نظم القول المفرغ من أي معنى حقيقي، لكن لأنهم لم يسكتوا، قررت كتابة هذا المقال في هذا الجو الملبد بالاحزان، بحالة مرض ابو عمار، انعم الله عليه بالصحة... ، وغير ذلك، ولكن الاحزان يجب ألا تثنينا عن مواجهة حقائق الركود السياسي في عالمنا، وغياب أدوات التغيير، هذا الغياب هو الذي يضعنا في حالة من القلق حول التغيير الذي سيحدث على الساحة الفلسطينية.

ما دفع الفلسطينيين للحديث عن التغيير السياسي لم يكن الاحتلال ولم تكن الاوضاع المزرية في غزة والضفة او حتى السلطوية المطلقة لرجال السلطة الفلسطينية، أو حتى الفساد الذي ينخر في الجسد الفلسطيني، ما دفع حديث التغيير اليوم هو البيولوجيا، اي عندما بدأ جسم الرئيس عرفات في الانهيار، سواء بدافع المرض أو بدافع تقدم العمر، فالرجل البالغ من العمر تقريبا 76 عاما، لم يعد جسده قادرا على مواصلة الكفاح، وعمر عرفات عمر متقدم في منطقة متوسط سن الحياة فيها لا يتجاوز ستين عاما. البيولوجيا، ذلك العامل الخارجي، الذي لا نملك اي سيطرة عليه، هي العامل الحاسم . هي التي تدفعنا للحديث عن محمد دحلان كبديل لعرفات، لانه اكثر شباباً من احمد قريع أو من ابو مازن، رغم ان هناك كثيراً من الصفات التي تؤهل دحلان للقيادة، إلا ان اعيننا هنا تتركز على البيولوجيا كعامل رئيسي، ورغم اعجابي بدحلان، إلا انني اخاف من ترشيحه لان ايماننا بالبيولوجيا، سيجعلنا نبقى مع دحلان رئيسا لثلاثين عاما مقبلة على الاقل، فالرجل من مواليد 61 اي من نفس عمري انا، ثلاثة واربعون عاما، وفيه من الطاقة ما يمكنه من البقاء لثلاثين عاما أخرى، لذلك انا لا افضل دحلان وانما افضل رجلاً في نهاية السبعينات حتى يحدث التغيير بعد مدة رئاسية أو مدتين في اقصى الاحوال، ثم تحكم البيولوجيا بالتغيير المفاجئ. أو ان يتدخل الرب في حسم مسألة مدة الحكم وتقصيرها الى مدتين فقط.

الناظر الى الدول العربية يعرف هذه الحقيقة فتونس مثلا، لم يترأسها سوى رئيسين منذ الاستقلال، الرئيس بورقيبة، وبعده الرئيس زين العابدين بن علي، الذي حصل أخيرا على فترة رئاسية ثالثة بنسبة اصوات زادت على 90%.

نفس الشيء حدث في مصر، منذ عام 1952 وحتى الآن لم يتدخل اي عامل آخر في التغيير، سوى البيولوجيا في حالة وفاة عبد الناصر، أو الإله في حالة مقتل السادات. فالتغيير اذن لا يتأتى إلا من الخارج، فلا توجد بارقة أمل في التغيير من الداخل، ولا يقتصر الامر على الحاكم فقط، لكن ايضا يحدث نفس الشيء في احزاب المعارضة، فلولا موت فؤاد سراج الدين مثلا في سن متقدمة بلغ 99 عاما، ما كان لتغيير في حزب الوفد ان يحدث. وها هو حزب العمل يقوده رجل عجوز هو الاستاذ ابراهيم شكري، ولن يحدث فيه تغيير الا اذا تدخل الرب أو تدخلت البيولوجيا.

النقطة الاساسية هنا هي ان المنافحين عن فكرة التغيير من الداخل، هم جماعة حالمة، ولا ادري اذا كانوا يضحكون علينا أو يضحكون على انفسهم، عندما يشمرون عن سواعدهم ويزعقون بأعلى اصواتهم وهم يقولون بأن التغيير لا يأتي الا من الداخل، فهم في احسن الاحوال يتجاهلون الرب والبيولوجيا كعاملين حاكمين للتغيير السياسي العربي، وهما عاملان خارجيان، وكذلك يتجاهلون العامل الثالث وهو التدخل الخارجي الذي شهدناه قريبا في ازاحة صدام حسين عن حكم العراق، حين جاءت الجيوش الجرارة من بلاد بعيدة لتحسم مسألة تغيير الحكم في بلاد الرافدين، وهو نمط اتمنى الا يتكرر، رغم انني لست واثقاً بأنه لن يتكرر، فكل المؤشرات تقول بتكراره.

اذن في ظل هذه الحقائق التي تقول بأن التغيير السياسي في العالم العربي لا يأتي الا عن طريق عوامل خارجية مثل تدخل اجنبي، أو تدخل البيولوجيا، أو تدخل الرب، ترى ما هو الحل؟

اقترح كحل لهذا الامر ان نرفع سن التقدم الى الترشيح لمنصب رئيس الدولة (الفلسطينية مثلا) الى سن الخامسة والسبعين، وبما ان متوسط العمر في منطقتنا هو الستينات، فنحن اذن امام دورتين رئاسيتين في احسن الاحوال، لأحسن الرؤساء صحة، هذا اذا تدخلت البيولوجيا فقط، اما اذا تدخل الاستعمار أو الرب فربما يحكمنا رئيس لمدة رئاسية واحدة، ورغم ان هذا الاقتراح يبدو ساخراً الا انني لا أرى في الأفق بديلا يمكن ان ينقل معادلة الواقع العربي من ركودها وتكلسها الحالي. هذا هو الحل الذي اقترحه، وذلك لأنني رجل واقعي لا يؤمن بالخزعبلات، وانما فقط يقبل بقوانين الطبيعة والسياسة.