ماذا يريد عرفات؟

TT

كلما وصل رئيس وزراء اسرائيلي جديد الى السلطة، إن كان من العمل او الليكود، ابرق له ياسر عرفات مهنئاً وواعداً نفسه بأن الاثنين سيحققان معاً «سلام الشجعان». أوصل هذه العبارة الى اسحق شامير، وكتبها الى اسحق رابين، وشيمون بيريز، وبنيامين نتنياهو، وايهود باراك، وخطّها كذلك الى ارييل شارون.

وفي حين يهدف كل رئيس وزراء اسرائيلي الى امن اسرائيل وحماية شعبها، ليس واضحاً، بعد عشرات السنين من القيادة، الى ماذا يهدف ياسر عرفات! رؤساء الحكومات الاسرائيلية يعتمدون مبدأ: الغاية تبرر الوسيلة. ولكن ما هو المبدأ الذي يعتمده عرفات؟

كُتب الكثير عن ان باراك اوصل شارون الى رئاسة الحكومة في اسرائيل. لكن الواقع يحمّل ايضا عرفات مسؤولية كبرى في وصول شارون، ويبدو ان الاثنين يستحقان بعضهما، كما ترى عدة اوساط سياسية.

عندما يقول الفرد الفلسطيني العادي، انه لا يشعر بفرق إن كان على رأس الحكومة الاسرائيلية باراك او شارون فانه صادق في مشاعره. لكن مجيء شارون بعد رفض عرفات اقتراحات باراك التي كسرت الكثير من المحرّمات الاسرائيلية، وبغض النظر عما يقوله المتحمسون للقفز في المجهول، ستترتب عليه تطورات كثيرة، لأنه كان يمكن لعرفات ان يقبل باصرار تلك المقترحات، ويضيف عليها تطلعات الشعب الفلسطيني. لكن للأسف، صارت الاحداث تتجاوز عرفات، وقد يكشف مجيء شارون اكثر واكثر ضعف قيادته للسلطة الفلسطينية، وقد يعجّل بسقوطها. فهذه السلطة تتمكن من توفير اقل الضروريات للشعب الفلسطيني، ثم انها غرقت في الفساد والتلوث، وقد يتيح سقوطها، وتفككها، للعالم المهتم، مثل اميركا واوروبا، الالتفات الى الزعامات الحقيقية في الشارع الفلسطيني للتفاوض معها، خصوصا ان السلطة الفلسطينية الحالية عجزت عن توفير السلام لشعبها ورفضت كل الاقتراحات التي لو تطورت، كان باستطاعتها توفير ذلك السلام.

ان السلام الفلسطيني المنشود، يحتاج الى زعامة على الارض الفلسطينية، زعامة تملك الرؤية والشجاعة على اتخاذ القرار، وتتحمل مسؤولية قرارها، لا الى زعامة تطمئن فقط للتحليق والتنقل من سيارة زعيم الى مكتب زعيم آخر، لا الى زعامة تفاجئها عملية مثل عملية تل ابيب كما فاجأت الاسرائيليين. واذا كان بعض المعلقين يرى ان شعور الاسرائيليين باليأس دفعهم الى انتخاب شارون، فان يأس الانسان الفلسطيني من عجز قيادته دفعه وسيدفعه اكثر الى حصر الامور بين يديه، ضارباً عرض الحائط بما ستسفر عنه عملياته، اذ الافضل له ان يقبع في سجن اسرائيلي من ان يُرمى به في سجن فلسطيني، فقد اهتمت السلطة بإكثار اجهزة الأمن والقمع، ونشرت السجون.

رغم كل الشروط التي اضافها باراك على اقتراحاته لقيام دولة فلسطينية، كان يمكن لأي زعيم فلسطيني آخر، ان يقبل بها شرط ان يختار فريق مفاوضين محنكاً ليفكك ويبدد كل شروط باراك.

لقد فوتت الزعامة الفلسطينية الحالية الكثير من الفرص، وتجاوزتها احداث الشارع الفلسطيني، بينما هي تدخل الى مؤتمرات عربية وتخرج من اخرى، بهدف ايجاد طريقة للتعامل مع... شارون!