الزوجة والرفاق

TT

تزوج ياسر عرفات من سهى الطويل برغم معارضة عدد من رفاقه في القيادة. فقد بدا الزواج للبعض غير ملائم تماماً بسبب فارق العمر وفارق البيئة الاجتماعية. اما الفارق الديني فانتهى بإشهار سهى عرفات اسلامها. وحتى بعد ولادة زهوة، الطفلة الوحيدة التي اعطاها اسم امه، ظل شيء من المفارقات يعم البيت الزوجي: الختيار بالكوفية والبزة الزيتية، والزوجة بمظهر اوروبي لا يخفى.

كان ابو عمار يقول دوماً لكل من حوله انه لن يتزوج، وان القضية زوجته الاولى والاخيرة. لكن يبدو ان ثمة ضعفاً بشرياً تفوق عليه وهو في اواخر الستينات، قد يكون الرغبة في وريث. والآن، فيما هو على سرير الغياب، يظهر الى العلن خلاف قديم بين الزوجة والرفاق. والمسألة هنا مسألتان: بالنسبة الى القيادة الفلسطينية، لا تمثل سهى عرفات شيئاً سوى انها زوجة الرئيس. اما بالنسبة الى القانون الفرنسي فإن زوجة الرئيس هي اقرب الناس اليه. ومهما كانت علاقة المريض السياسية او الشخصية او التاريخية بالرفاق، فإن القانون لا يعترف الا بالاهل والاقرباء، وفق درجاتهم.

لذلك كانت زوجة الرئيس الفلسطيني الوحيدة تقريباً، التي يسمح لها بدخول غرفته. وكانت ايضاً المصدر شبه الوحيد لما يدور حول الرجل وما هي الاتصالات التي قام بها خلال فسحات الوعي. ترى عندما قالت ان الرفاق «حفنة من المستورثين» كانت تردد مشاعر ادلى بها هو، ام هي مواقف الزوجة التي تدرك اقتراب المفترق وانقلاب المصير؟

هذا هو اللغط الذي لم يحسب حسابه احد. اي الخلاف بين عائلة عرفات وبين الرفاق الذين الغوا امس رحلة مقررة الى باريس اوحت للكثيرين باقتراب المقدَّر. وزاد ذلك كله في غموض الساعات الفاصلة: البيانات الطبية متناقضة والتصريحات الرسمية عن حاله الصحية متضاربة، ولم يعد معروفاً ما هو نوع غيبوبة ابو عمار ولا مدى استفاقته منها، ولا استطاع احد ان يشرح لماذا ذهب الرجل على محمل وهو يبتسم ودخل عالم الغيبوبة بعد هذه الفترة القصيرة.

كان هناك تصريح مختلف او متناقض، كل يوم. وحتى بيانات المستشفى انضمت، في لهجتها وجوهرها، الى توسيع الغموض المحيط بالرئيس الفلسطيني: غموض طبي وغموض سياسي وغموض وطني، في أشد اللحظات حاجة الى الوضوح.