البخلاء والمغفلون المعاصرون

TT

كثيراً ما اسرفت في هذه الزاوية بالحديث عن الحمقى والمغفلين والبخلاء في الادب والتاريخ العربي واستشهدت بالكثير مما ورد من كتب في هذا الموضوع. ولربما تصور بعض القراء ان كل تلك الحكايات والاخبار كانت من مخلفات عهود ولت وانقرضت، ونحن نعيش الآن في عصر مزدهر لا بخل فيه ولا حماقة ولا غفلة. رجالنا في منتهى الكرم والسخاء وشبابنا في غاية الفطنة والعبقرية. لا شيء اكثر بعدا من ذلك عن الحقيقة.

الفرق بيننا وبين اسلافنا انهم ادركوا واقع حياتهم فسجلوا انطباعاتهم عنها بسلاسة وحرية، في حين دأبنا نحن على المكابرة والمغالطة.

ومع ذلك فلا أخال يوما يمر في مقهى أو مجلس أو مضيف أو مكتب من دون ان يُروَى شيء من الطرائف والتعليقات والملاحظات عن بخلاء هذا الزمان ومغفلي جيلنا هذا. لقد سمعت الكثير منها. ولا شك ان قراء هذه الزاوية قد سمعوا مثل ما سمعت اكثر مما سمعت. وسيكون من الطريف جدا ان اتبادل واياهم بمثل هذه المسموعيات والمشاهدات. واعاهدهم ان ننشر منها ما يصلح للنشر ولم ينشر سابقا في مكان آخر. والرجاء الاقتصار على الحماقات غير السياسية، فالحماقات السياسية اصبحت كثيرة ومملة ويوجد الكثير منها على الصفحات الأخرى.

احاديث البخل والغفلة تراث عالمي تشترك فيه كل الشعوب. وكتب فيه الكثيرون من ادباء الأمس في كل اللغات، وربما الى حد الاستهلاك فلم يترك لنا حمقى الأمس وبخلاؤه ما نبزهم فيه أو نضيف اليه. بيد ان تجاربي في شرقنا المعطاء، وهذه المدينة الغنية، لندن، تؤكد لي أن البخل والحمق ما زالا صفتين تجريان في دماء البشر، بعض البشر، ولم يبخل علينا العصر بالمزيد من البخلاء والحمقى. كل ما في الامر، وكما يبدو لي، انهما اكتسبا الوانا جديدة وصورا تناسب حياتنا الراهنة.

خذوا مثلا حكاية جاكلين كندي، زوجة الرئيس الراحل جون كندي، وكيف كانت تعيد الفضلات المتبقية في اقداح ضيوفها المحترمين الى قنانيها الاصلية لتعيد صبها وتقديمها لغيرهم من ضيوفها المحترمين فيما بعد. وماذا نقول عن البليونير الكبير بول غيتي الذي كان يلزم ضيوفه وموظفيه بدفع اجور المكالمات الهاتفية التي كانوا يجرونها من مكتبه وبيته؟ وكان هناك زميلي حكمت الذي خاض معركة حامية ضد هيئة الإذاعة البريطانية من اجل الحصول على كوب ماء ساخن للقهوة مجانا؟