نصيحة الشوكاني العزيزة

TT

كنا قد أتينا في مقالة امس على كلام بعض العلماء في السمع والطاعة للامام المتغلب حرصا على السكينة وكفا للفتنة.

وقد اشرنا الى نصين هامين هما:

الأول هو: قال الإمام محمد بن عبد الوهاب: «الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم». وفي كلامه هذا فائدة ومسألة مهمة وهي: صحة تعدّد الأئمة عند الاضطرار وكل إمام منهم في قطره يأخذ حكم الإمام.

والثاني هو : لذلك قال شيخ الإسلام: «والسنّة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوّابه، فإذا فرض أن الأئمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك، فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق». ولما تكلم ابن كثير عن هذه المسألة قال: «وهذا يشبه حال الخلفاء من بني أمية والعباس بالعراق، والفاطميين بمصر، والأمويين بالمغرب».

الآن نذكر طرفا آخر:

قال الشوكاني في شرح قول صاحب الأزهار: (ولا يصح إمامان): «وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رقعته، وتباعد أطرافه، فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته. فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، كذلك صاحب القطر الآخر. فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته، وبايعه أهله، كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب . ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته، لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يدري من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكليف بما لا يطاق. وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد».

ثم قال في آخر كلامه: «فاعرف هذا فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار . ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها» أ. هـ .

* فقيه سعودي