العراق.. بين الانتخابات القادمة.. والعملاق الآخر القادم

TT

ربما تكون حالة الفوضى العارمة التي تشهدها الساحة العراقية حاليا ما هي إلا امتداد أو انعكاس لحالة القلق والترقب التي تعم العراق قبيل الانتخابات العامة المقرر عقدها في شهر يناير القادم.

ففي حين يتزايد الأمل في أن يشهد العراق مولدا للديمقراطية مع بداية العام المقبل، فإن أملا آخر يتولد لدى مجاميع عراقية وغير عراقية أيضا، وهو ظهور صحافة عراقية حرة ونزيهة تكون دعامة أساسية من دعامات الديمقراطية ولبنة أولى في بناء نظام ديمقراطي قوي.

المشهد الحالي في العراق ككل، ينبغي النظر إليه بتأن شديد، ونظرة متفحصة، لمعرفة أسباب حالة الفوضي في الصحافة، وكذلك السبيل نحو إصلاح هذا الخلل والانحراف في المسار الإعلامي، ومن الضروري البدء بالجزء التاريخي لهذا البلد العريق، فكل شيء في العراق له ارتباط مباشر بالتاريخ ومراحل تطور هذه الدولة.

فقد شهد العراق في الثلث الأول من القرن الماضي، ظهور أعداد كبيرة من الصحف والمجلات تجاوز عددها المئات في فترة من الفترات، وتعددت أيضا اتجاهاتها وأهدافها وتناقضت بنفس الوقت دعواتها وشعاراتها.

في الجانب التاريخي، ذكر فيليب دي طرازي في الجزء الرابع من كتابه «تاريخ الصحافة العربية»، أن عدد الصحف التي كانت تنشر في العراق في الفترة 1908 - 1929 بلغ 157 صحيفة. وقد كان لصحافة بغداد حصة الأسد من مجمل هذه الصحف، حيث بلغ عددها 122 صحيفة، وجاءت البصرة في المرتبة الثانية حيث كانت تصدر فيها 16 صحيفة، وتلتها الموصل بتسعة صحف، ثم كاظمة 3 صحف والنجف صحيفتان، وصحيفة واحدة في كركوك وكربلاء والعمارة والحلة والعشار. والملاحظ أن الغالبية العظمى من هذه الصحف صدر خلال الأعوام 1906-1926 أي إبان فترة الاحتلال البريطاني للعراق الذي دام حتى عام 1932.

ومع أن العدد في حد ذاته لا يكفي للحكم على وجود حركة صحفية ذات ثقل، إلا أنه في بلد يحتضن التاريخ والتراث كالعراق، والذي هو أيضا مهد تطور اتجاهات فكرية وثقافية ومدارس مذهبية ودينية متنوعة، فمن المتوقع أن تتكاثر فيه أعداد الصحف وتتنوع أيضا.

أما المشهد خلال فترة حكم البعث ، فقد تقلص عدد الصحف ولم يعد يصدر سوى خمس صحف رئيسية هي الثورة والجمهورية والعراق والقادسية وبابل، فيما انحصر الجهد الصحفي في عمل واحد وهو تمجيد الحزب والنظام البائد وتحديدا شخص الرئيس المخلوع صدام حسين، باستثناء صحيفة بابل، التي كان يسير أمورها نجل طاغية بغداد، فقد تخصصت بشخص نجل رئيس النظام البائد.

بعـد سقوط الطاغية وانهيار حكمه في أبريل عام 2003 بدأت الصحافة العراقية تسترد حرياتها وشرعت الأحزاب والمنظمات والهيئات والتجمعات في إصدار صحفها الخاصة بها. كما تمكن العديد من الصحف التي كانت تصدر في الخارج وبإدارة عراقية إلى الصدور في العراق، حتى تزايد عدد الصحف في فترة وجيزة وبلغ حسب بعض التقديـرات الأخيرة إلى 278 صحيفة تتراوح اتجاهاتها ما بين سياسية إلى دينية إلى رياضية.

وربما كان الاهتمام بإنشاء وكالة أنباء عراقية مستقلة هو أول الطريق لإصلاح حال الصحافة العراقية وإخراجها من حالة الفوضى والاضطراب التي تعيش فيهما. وتعتبر مبادرة «مؤسسة رويترز» في هذا الشأن خطوة محمودة ، حيث ساهمت مع عدد من كبار المحامين البريطانيين في إعداد مسودة للدستور الذي ستستند إليه وكالة الأنباء العراقية، والذي ينص على ضرورة التزام الحياد والموضوعية والمهنية في التغطية الصحفية، وهما من أهم دعائم النجاح لوكالات الأنباء.

لا شك أن إنشاء وكالة أنباء عراقية مستقلة محايدة، سيساهم في تطوير الصحافة العراقية على أسس سليمة وسيقلل من حالة الفوضى التي تسودها، وسيكون بداية لتكوين مصداقية للأخبار العراقية، وخلق أرض مهنية صلبة من أجل انطلاقة سليمة للصحافة والإعلام ككل، نحو الديمقراطية في العراق.

والصحافة هي السلطة الرابعة، كما هو معروف، فمن خلالها يمكن إبداء الآراء والتعبير عن الاتجاهات، وبواسطتها يمكن انتقاد الانحرافات وكشف التجاوزات، وعن طريقها أيضا يمكن توعية الجمهور وتوجيه القيادات، وهي في النهاية تصب في صالح الوطن والمواطنين، وتعتبر مظهرا من مظاهر الحرية يسير جنبا بجنب مع الحريات الأخرى وأولها حرية الاقتراع.

* إعلامي كويتي