في الفلوجة مأساة يتلهى بها آخرون

TT

مأسـاة إنسـانية يعيشها أهالي الفلوجة في العراق، فبعضهم لا يستطيع هجرة المدينة حتى لا يقوم اللصوص بالسطو على منازلهم، والبعض ظل في منزله لا يستطيع المغادرة لأنه لا يملك المال، وغادرها من فضل الاحتفاظ بحياته. فالقوات الأميركية تحاصر المدينة الآن وتشاركها قوات الحكومة العراقية، وهذه القوات دخلت اليها لتضرب المناوئين سواء كانوا من المقاومة العراقية أو بعض المسلحين العرب وغير العرب من الدول المجاورة، ممن دخل المدينة للمشاركة في قتال الأميركيين.

من المعلوم ان الحكومة العراقية تريد ان تبسط سيطرتها على مناطق العراق ومنها مدينة الفلوجة، فمطلوب من أهلها، من طائفة السنّة تحديداً، المشاركة في العملية السياسية لأن مشاركتهم أمر ضروري حتى تكون الانتخابات العامة في يناير المقبل شرعية ومتكاملة. لكن القوات الحكومية والأميركية تواجه الآن مقاومة عنيفة من المتمردين فيها، لذلك يجد رئيس الحكومة إياد علاوي نفسه مضطراً الى التفاوض مع الزعماء الدينيين وزعماء القبائل للوصول الى الحل المناسب، ولكي يتفادى الجميع النتائج السياسية المترتبة على الهجوم.

هذه صورة مختصرة للوضع في الفلوجة، الهدف منها زيادة معرفة القارئ بما يدور من أحداث، ولكن لنا هدفا آخر كما سيتضح من سياق الكلام.

فجأة تخرج علينا مسرحية هابطة تحمل اسم «كويتي في الفلوجة» بانتظار عرضها في عيد الفطر، وعندما رفض الجميع الإسم تغّير الى «حب في الفلوجة»، يا سـلام، استـهزاء بمشاعر الآخرين وهم يعيشون العذاب لحظة بلحظة، هناك بعض الإخوة العراقيين يعيشون بيننـا في الكويت، وبالتأكيد لا يسـرّهم ان تُعرض معاناة العراقيين بهذا الشكل، لقد أثبت كاتب المسرحية أنه لا يعرف عن الفلوجة إلا اسمها، وجاءت وزارة الاعلام في الكويت لتعطي طابع التصديق على هذا الجهل !

كان الكويتيون قبل أكثر من عشرين عاماً وما يزيد، رواداً أو رمـزاً للمسرحيات الاجتماعية الجادة أو الفكاهية ذات النصوص الجيدة الراقية، وامتلكوا على المستوى الغنائي حساً مرهفـاً بأنغام شجيـة من روائع الشعر العربي الفصيح، وعلى المستوى الاجتماعي قـلباً نابضـاً بحب الخير للجميع، ولكن وا أسـفاه.

وا أسـفاه، إنْ كان الغرض إضحاك الناس بغرض كسب المال، هكذا فقط من دون اعتبار للنتائج، هل كان الكويتيون يقبلون ان تقام مسرحية في العراق باسم «كويتي في المنفى»، عندما لجأوا الى الدول العربية وغيرها أثناء الاحتلال العراقي البغيض ؟!!

نحن بحاجة الى التعاطف مع الشعب العراقي الشقيق، بحيث نكون حريصين جداً على الا تشوب العلاقات بين الشعبين شائبة. الآن ظهرت مسرحية «كويتي أو حب في الفلوجة»، وربما تظهر بعد أيام أغـان ٍ أو مواقفُ هزلية مماثلة تمس مشاعر الأخوة والجوار. فهل نحرص جميعنا على عدم المساس بها ؟ وما هو دور وزارة الاعلام في الكويت حول هذا الشأن، لا سيما قسم المصنفات الفنية الذي يرخص إقامة الحفلات الفنية ؟

مطلوب إعلام كويتي مسؤول يدرس النصوص المسرحية بأمانة وصدق ويتنبأ بالنتائج. إن للإعلام شأنا كبيرا في عالم اليوم، ولا ينبغي ان تؤخذ الامور السياسية هكذا ببساطة، لا سيـما ان الكويت لم تُخطئ بحق أحد، ومواقفها عربيـة الى أقصـى مـدى مثل دورها كوسيط، سواء في الخليج خلال السبعينات أو في الثمانينات أثناء الحرب بين العراق وإيران، ومسألة اليمن ووقوفها الى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته حتى هذه اللحظة، كما تدل على ذلك قرارات الأمم المتحدة، ومساعداتها الاقتصادية للدول النامية، فلمَ لا يمتلك بعض الاعلاميين ثقافة إنسانية قبل أن تكون سياسية وحسـاً مرهـفاً لا يسيء الى هذه الصورة المشرقة ؟!

* دبلوماسي كويتي