لبنان.. فصل من الديمقراطية.. حكومة فدائيين ..أم مجموعة عابرين؟

TT

على امتداد الأيام الثلاثة التي استغرقتها جلسات مناقشة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة، غرق الرئيس عمر كرامي في الامتعاض والتأمل. مرة واحدة شاهده اللبنانيون يبتسم، وذلك عندما وقف ليرد على كلمات النواب، وتحديدًا عندما قال إنه سيعود سريعًا إلى مقاعد المعارضة إذا فشل في مكافحة الفساد.

وقياسًا بذلك الشريط المثير من الانتقادات القاسية والجارحة أحيانًا، التي تعرّضت له الحكومة، وهي أولى حكومات حقبة التمديد لولاية الرئيس إميل لحود مدة ثلاث سنوات إضافية، فإن مجرّد فكرة الاسترخاء في مقاعد المعارضة، تبعث على الارتياح والبسمة، لأن تحمّل المسؤولية وسط الظروف السياسية المعقّدة في لبنان بعد التمديد، وما تركه من شروخ في المواقف، وبعد صدور قرار مجلس الأمن 1559 وما رتّبه من ضغوط على بيروت ودمشق، يمثّل مشقة كبيرة ومهمة مستحيلة، ولعل هذا ما دفع كرامي إلى وصف حكومته بأنها «فرقة من الانتحاريين».

لكن الحكومة التي تمثل خليطًا من ذوي الخبرة والكفاءة، وكذلك من المجهولين أو الهابطين بمظلات الاستفهام والاستهجان، شكّلت بالنسبة إلى بعض الكلمات النيابية «فرقة من العابرين»، ليس لأن عمر الحكومة لن يتجاوز سبعة أشهر فحسب، ولكن لأن الانتخابات النيابية ستجري في أيار (مايو) من السنة المقبلة، بل لأن المعارضين قصدوا أنها تضم أسماء عابرة لن يكون لها أثر في الحياة السياسية في لبنان.

وإذا كانت نهاية الأسبوع الماضي قد شهدت فصلاً عاتيًا من أداء الديمقراطية البرلمانية المفترضة في لبنان، حيث تحوّل عدد كبير من النواب «فرقة قصابين» تولّت جرم جلد الحكومة الجديدة عن عظمها، حيث لا لحم ولا دسم كما قال البعض، فإن الأهم في النهاية لا يتصل بمصير هذه الحكومة بمقدار اتصاله بالمداخل غير الملائمة وغير المتفائلة طبعًا لعهد الرئيس إميل لحود الممدد.

وكان أن حصل التمديد الذي سبّب انقسامًا سياسيًا كبيرًا، وجاء على صلة بالقرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. وما يهم اللبنانيين والمهتمين بالوضع اللبناني الآن هو محاولة القراءة في المحصلات المحتملة لهذا التمديد، انطلاقًا من الحكومة الجديدة التي كان يفترض أن تشكّل منطلقًا للتغيير وإحداث التطوير النوعي، الذي يفضي على الأقل إلى البدء بتحقيق ما عجزت عنه الأعوام الستة الماضية.

من المفيد التذكير بأن الرئيس إميل لحود انتُخب وسط حماسة عارمة على المستويين السياسي والشعبي عام 1998، وفي ظل وعود قوية بالاصلاح والتطهير وبناء دولة القانون والمؤسسات.

وفي هذا السياق من المعروف أن الرئيس سليم الحص شكّل أولى حكومات العهد اللحودي، وقد نالت حكومته ثقة البرلمان في 17 كانون الأول (ديسمبر) عام 1998 بأكثرية 85 نائبًا من أصل 128 وبامتناع 31 نائبًا عن التصويت وغياب 12 نائبًا.

والآن تخرج أولى حكومات العهد الممدد مثخنة بالجروح من مجلس النواب بعد ثلاثة أيام عاصفة وصفت فيها بأنها «حكومة خيبة الأمل» و«حكومة المحاصصة» وحكومة « زمّ الشمل أو «ذمّ الشمل» [بدلاً من لمّ الشمل] و«حكومة الاقتصاص» لا الاختصاص و«حكومة الانشقاق الوطني» لا الوحدة الوطنية.

ولكي تستكمل عناصر المقارنة فقد حصلت هذه الحكومة على ثقة 59 نائبًا من أصل 108 حضروا الجلسة، أي أقل من نصف عدد النواب الـ128، وحَجَبَها عنها 29 نائبًا وامتنع عن التصويت 20 نائبًا وغاب 20 نائبًا.

إن هذه الأرقام قد لا تعني الكثير بالنسبة إلى القارئ العربي، ولكنها تشكل مؤشرًا بارزًا ومهمًا في إطار النظر الموضوعي إلى مقدمات التمديد، وما يملكه لحود من فرص لتحقيق ما وعد به، واستحال عليه في الماضي.

ولقد ظهر جليًا في مناقشات الثقة ان الواقع السياسي بلغ من الترهل والاعتلال ما لم يعد بالإمكان تجاوزه إلا بتبدل محسوس في الخريطة السياسية. فاستمرار الواقع السياسي البائس بات يشكل خطرا على مصالح البلاد والعباد. ولا منجاة من هذا المستنقع إلا بوضع البلاد على طريق التغيير السياسي، ولا يكون ذلك إلا عبر الانتخابات وتقصير ولاية المجلس، يعني تقصير عمر حكومة حُكِم عليها بالعقم سلفا، مع العلم أن عمر المجلس تجاوز أربع سنوات وهو الآن فعليًا في ولاية ممددة.

وفي أي حال ان هذه الحكومة لا تملك عمليًا أكثر من ثلاثة أشهر للعمل، لأن الانتخابات ستجري في أيار (مايو) وهذا يعني أن معظم أعضائها سينصرفون إلى حملاتهم الانتخابية ابتداءً من آذار (مارس)، ومن الآن حتى ذلك التاريخ بالكاد يستطيع هؤلاء من قراءة ملفاتهم المتراكمة.

ان أقصى الطموح لأولى حكومات التمديد تأمين الكهرباء للبنانيين بعدما أنفقوا أكثر من 10 مليارات دولار على هذا القطاع، وبالمناسبة ان الكهرباء مؤمنة في الفلوجة والرمادي وغزة وحتى في كهوف تورا بورا!

وأقصى الطموح تأمين المازوت، قبل أن تأتي الفؤوس على آخر عرق أخضر من أشجار لبنان الذي يقف على عتبة الشتاء. والكهرباء والمازوت سيتأمنان ولكن طبعًا بمزيد من الأعباء على الخزينة المنهكة.

ماذا يبقى لحكومة الأشهر السبعة في بيروت؟

يبقى أن تضع قانون انتخاب عادل ويرضي الجميع، وهو أمر يبدو من المستحيلات وسط ظروف الانقسام الحاسم في البلاد، والدليل على هذا أن هناك أصواتًا متزايدة بدأت تطالب منذ الآن بلجنة دولية تشرف على نزاهة هذه الانتخابات.