اتحاد المغرب العربي.. إلى أين؟

TT

عادت أجواء الأمل مجدداً إلى منطقة المغرب العربي بإمكانية إحياء المشروع الاندماجي الاقليمي الذي توقف قبل خمس سنوات، اثر تفاقم الخلافات بين محوري المنطقة: المغرب والجزائر في سياق تفاعلات قضية الصحراء والأزمة الأمنية الجزائرية.

وهكذا قررت الدول الخمس الأعضاء في الاتحاد في ذكرى اتفاقية مراكش الموقعة في 17 فبراير (شباط) 1989 تنشيط اللجان المتخصصة المشتركة، انتظاراً لانعقاد قمة طال انتظارها، قد تلتئم في الجزائر في بحر السنة الجارية.

ولا شك ان التساؤلات مطروحة بجدية حول دواعي وظروف هذه الاستفاقة المفاجئة، التي قد تكون لها علاقة مباشرة بالتحسن الطفيف ـ ولكن الملموس ـ الذي طرأ على روابط الجزائر والمغرب، على الرغم من تعثر ديناميكية الاستفتاء في الصحراء وتلويح جبهة البوليزاريو المدعومة جزائرياً بالرجوع للعمليات المسلحة (التي لم تعد احتمالاتها الموضوعية قائمة).

وقد دلت مؤشرات جلية على ان الملك المغربي محمد السادس حريص على دفع المشروع الاندماجي المغاربي، ولو اقتضى الأمر فصل مساري الملف الصحراوي والعلاقات بالجار الشرقي، من منظور التخلي عن آلية الاستفتاء بصيغتها السابقة التي ظهر عقمها ولا واقعيتها، والمراهنة على تداعيات الديناميكية المغاربية التي من شأنها إيجاد وضع جديد قد يعيد الثقة بين البلدين، ما دام المشكل حسب الموقف المغربي هو قبل كل شيء مشكل مغربي ـ جزائري. بيد ان العديد من التطورات التي استجدت في الآونة الأخيرة، كان لها تأثيرها الحاسم في تنشيط العمل المغاربي المشترك، ولعل أبرزها انتقال هذا المشروع الاندماجي من مطلب اقليمي محدود إلى مطلب دولي، وفق صيغ عديدة لا تزال مطروحة بصفة غائمة، غير محددة.

فبالاضافة إلى مبادرة نائب وزير الخارجية الأميركي السابق ايزنتسات القاضية ببناء شراكة أميركية ـ مغاربية (تستثنى منها ليبيا)، لا يخفي الاتحاد الأوروبي تشجيعه لقيام تكتل اقليمي وطيد في شمال افريقيا يكون ذراعه الاقتصادي والاستراتيجي في جنوب المتوسط.

ولئن كان مشروع ايزنتسات قد انتكس لأسباب عديدة ليس هذا مجال بسط القول فيها، فإن الإدارة الأميركية الجديدة لوحت باحتمالات احياء المبادرة المذكورة في سياق المقاربة الشرق أوسطية الجديدة التي دافع عنها وزير الخارجية «كولين باول»، والمتمثلة في معالجة الأوضاع الاقليمية العربية من منظور شمولي ومتكامل، «تتبوأ فيه المنطقة المغاربية دوراً حيوياً لدفع عملية التسوية العربية ـ الاسرائيلية واحتواء «الارهاب» و«التطرف».

أما الأطروحة الأوروبية فتندرج في اطار نهج دول الاتحاد الخمس عشرة الساعي إلى تأمين حدودها الجنوبية (من الهجرة اللامشروعة ومن التهريب) بالاسهام في بناء منطقة مغاربية «مزدهرة ذات علاقات خاصة ومتميزة» بالقارة القديمة، حسب عبارات المسؤول الأول في الاتحاد الأوروبي «ايمانو برودي» الذي زار أخيراً بعض دول المغرب العربي، ودعا إلى الاسراع في تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين بلدان شمال افريقيا الخمسة لكي تتبوأ مكانتها في الفضاء الأوروبي ـ المتوسطي الواسع الذي سيدخل حيز التنفيذ عام 2010.

تنضاف إلى هاتين المبادرتين عدة مشاريع اقليمية ظهرت في الفترة الأخيرة، من بينها تكتل دول الساحل والصحراء الذي التأمت قمته الرئاسية الثانية بالخرطوم في الأسبوع المنصرم، وانضمت اليه تونس والمغرب، بالاضافة طبعاً إلى ليبيا التي كانت هي الطرف المؤسس لهذا التكتل انسجاماً مع هواها الافريقي الجديد.

ان ما نستخلصه من استكناه هذه المؤشرات المتسارعة، هو نضوج الوعي الجماعي بضرورة تنشيط البناء الاندماجي في المنطقة، ولو من منطلقات مغايرة للخطة التي بلورتها البلدان الخمسة في معاهدة مراكش المنشئة لاتحاد المغرب العربي.

واذا كانت المبادرة الأميركية رهينة السياسة الشرق أوسطية للإدارة الجديدة التي قد لا تفضي لنتائج عينية ملموسة بالنظر لتعثر مسار التسوية بين العرب واسرائيل، فإن المقاربة الأوروبية تتأرجح بين صيغة الشراكة بين فضائين مندمجين والاكتفاء باتفاقات ثنائية بين الاتحاد وبعض دول المنطقة (وقد وقع الاتحاد فعلاً اتفاقية لانشاء منطقة تجارية حرة مع تونس والمغرب).

لهذه الأسباب كلها، تبدو صيغة الاتحاد المغاربي التي أقرتها قمة مراكش، الخيار الأمثل الذي يتعين الحفاظ عليه مستقبلياً، لتدعيم الموقف التفاوضي لبلدان المنطقة في افق تزايد وتيرة استهداف المجال الشمال افريقي بمشاريع التكتل والاندماج. فغني عن البيان، ان الفكرة المغاربية ظلت منذ نشأتها محكومة بالعامل الخارجي، فانبثقت في العهد الاستعماري كاستجابة للتحدي الذي يطرحه واقع الاحتلال، وتجددت في نهاية الثمانينات بعد صدور اتفاقية ماستريخت التي قننت الصيغة الحالية للاتحاد الأوروبي، وعادت إلى الواجهة أخيراً كمطلب دولي ملح يندرج في سياق منطق التكتل والتكامل التي تقوم عليه الديناميكية الرأسمالية في عصر العولمة.

وفي الوقت الذي عادت اللجان المغربية المشتركة للاجتماع والتنسيق، يتعين على قادة المنطقة تحويل هذه الفكرة من مضمونها السلبي (الاستجابة للتحديات الخارجية) إلى مفهومها الإيجابي البناء، أي تحويلها إلى مشروع اقتصادي واستراتيجي واعٍ ومتكامل، هو الخيار الأوحد المتاح في مطلع الألفية الجديدة، حتى ولو كانت العوائق السياسية الظرفية لا تزال تحد من امكانية تجسده.

أي بعبارة أخرى، لا بديل عن المشروع المغاربي، وليست المقاربات الأخرى سوى تعبيرات غائمة عن الحاجة الموضوعية إلى قيامه وتوطيده.