سياسة حافة الهاوية الإيرانية

TT

لاشك عندي ان ايران، رغم ما تنعت به كمحور للشر وضلع للتطرف، في واقع الأمر دولة عاقلة. ها هي ترضى بالتخلي عن مشروعها بالتخصيب النووي بعد ان بلغ التحدي حد رفع ملفها الى مجلس الأمن بما يعنيه من عقوبات سياسية واقتصادية، لذا فضلت التراجع. وهذه ليست الواقعية الأولى فقد فعلتها مرات من قبل، تراجعت عن معارضتها للحشد العسكري الاميركي قبيل تحرير الكويت، وتعاونت في الحرب على طالبان، ووقفت على الحياد في معركة اسقاط نظام صدام، والآن رغم قناعتها بأهمية تطوير مشروعها النووي العسكري تحت غطاء الطاقة النووية السلمية ورغم تصريحاتها بانها لن تتنازل، قبلت أخيرا انه لا تخصيب بعد الآن.

المبدأ هنا يرتكز على التراجع عن أية مواجهة خاسرة وآخرها مشروع التسلح النووي الذي تدرك انه حتى لو انجزته لن يمنحها تكافؤا مع اسرائيل صاحبة الترسانة النووية ووسائل الرقابة والارسال المتفوقة. ولهذا فان ضعف ايران يجب ان ينظر اليه قوة وحصانة لنظامها، وهي بعد ان قطعت شوطا طويلا نحو قنبلتها النووية ثم تراجعت عنها تستحق من المجتمع الدولي ان يعيد النظر في تعامله معها كدولة لا يمكن ان توضع في نفس صف نظام صدام او نظام كيم يونج ايل الكوري الشمالي. فقد مر نحو عقد ونصف العقد لا يمكن ان تستمر واشنطن في قطيعتها لطهران، وتصنيفها كدولة شريرة.

من جانبها ايران تدرك مع مرور الوقت ان طموحها بان تصبح دولة اقليمية مؤثرة يمكن ان يتم من دون ان تصبح نووية او عدوانية، فهي بلد كبير السكان والامكانيات وذات نظام سياسي مستقر منذ فترة اصبحت طويلة. فعقوبة العزلة لم تعد وسيلة ناجعة للمحاسبة بل الانفتاح عليها هو الحل. تشجيع ايران على الانخراط في المجتمع الدولي اقتصاديا وسياسيا والتخلي عن تصنيفها كمحور للشر قد يغسل حالة الشك الدائمة في رأس طهران التي تعتقد بان هناك من يتربص بنظامها وعليها ان تعد له العدة، بل ان شعورها بالاستهداف خدم الاصوات المتطرفة داخل النظام السياسي الايراني الذي منحها الحافز على ضرورة التخندق الدائم من دون التورط في مواجهات خاسرة.

بنفس الرؤية الواقعية العقلانية تراجعت ايران قبل خطوة اخيرة على حافة الهاوية هذا الاسبوع في استعراض باهر لمهاراتها السياسية، فهي باعت مشروع القنبلة الذرية الذي لم يكتمل لقاء هدايا ليست بالرخيصة من بينها تزويدها بالوقود وتحسين تعاملاتها التجارية الدولية. ايران تعرف ان اوروبا اكثر حرصا على ألا تتسع دائرة السلاح النووي في المنطقة المجاورة لقارتها، كما ان روسيا والصين لا تريدان قنبلة نووية ايرانية، وفي نفس الوقت ستتاجران بمواقفهما في مساومات مع الولايات المتحدة قبل دخول قاعة التصويت في مجلس الامن، لهذا فضلت طهران التراجع على المواجهة وكسبت الجولة.

[email protected]