علاج المتصدع إعلاميا وسياسيا

TT

الوباء الذي ظهر في جنوب غربي السعودية لم يفطن احد الى خطورته في البداية لاسمه الغريب، وارتباطه بالماشية. مع هذا كان امتحانا مهما في حياة دولة كبيرة كالسعودية في التعامل مع الازمات. فهي بلد لا يعرف من الكوارث الطبيعية الا القليل جدا منذ ان خمدت الفتن القبلية وزرعت الارض البور وبنيت السدود. انتهت ما نسميها بالأزمات الكبيرة التي تحدث حتى هذا اليوم في كثير من دول العالم الثالث التي تستوطنها الاوبئة ويموت فيها عشرات الآلاف ان امطرت السماء او جفت الأرض. لهذا كان حمى الوادي المتصدع امتحانا لقدرة الناس والحكومة وتحديدا القطاع الطبي في التعامل معه. ومع ان الكارثة اصابت مقتلا في بداياتها، الا انها عولجت بأسلوب يستحق التقدير اليوم. ولعل من اهم القرارات التي اتخذت على مستوى الدولة الظهور العلني والاعتراف بحجم المشكلة واعتبارها حالة تستدعي الوضوح، بدلا من تصنيفها ازمة سياسية للدولة، وبالتالي التعتيم عليها. ان الحكومات بطبعها لا تريد ان تعترف بالمصائب عندما تقع، ولقد رأينا كيف تحاول الحكومات التهوين من المشاكل التي تمر بها حتى لو كانت قدرا الهيا كزلزال او بركان او فيضان. والحقيقة انه في البداية سمعت عن اشاعات فاضت بها السبل تتحدث عن وباء جارف ومستشفيات تكتظ بالمصابين وقبور تحفر للموتى منهم. وعندما أقبلت وزارة الصحة على مواجهة الناس واتخذت اسلوبا واضحا باصدار بيان يومي يقدم معلومات دقيقة وواضحة لعدد الاصابات والوفيات، ومع مرور الوقت، عادت الثقة الى الناس. لم تكن المهمة عسيرة لكن التجربة جديدة.. اعلان يومي يقدم كشفا واضحا وبمعرفة منظمة الصحة الدولية التي تعتبر جهازا رقابيا دوليا مفيدا في التأكيد على ما يعلن. وبعد ان انتهت الأزمة فللحكومة ان تسأل نفسها: هل كان خروجها العلني واعترافها بما كان يقع عملا سياسيا حكيما ام لا؟ انه اسلوب جديد، وفي رأيي الشخصي حقق اهم خدمة للجميع، وهي بناء الثقة واعتراف عامة الناس بأن الأمر تحت المتابعة والحل وأن كل شخص من حقه ان يلم بما يحدث لأن صحته شخصيا في خطر. لم يكن علاجا لمرضى حمى الوادي المتصدع، بل كان علاجا لمرضى السرية الذين يعتقدون ان خير دواء لكل ازمة هو التكتم عليها. وفي الحكومات هناك من يعتقد ان للدولة صورة يجب ان يحافظ عليها من الخدش بسبب الأزمات، في حين ان الأزمات رغم مآسيها تكون خير سبب لعلاج الوجه المخدوش اساسا. تجربة المكاشفة كانت موفقة وجديرة بالاحترام وأن تستمر كعقلية في التعامل مع كل الاحداث، فالوضوح أهون وأسلم وأكثر ثباتا في بناء العلاقة من التستر وراء هيبة موهومة.