عمرو موسى أمينا

TT

عندما كتبت صباح الخميس في موضوع الامين العام المقبل للجامعة العربية، لم تكن مصر قد رشحت عمرو موسى بعد. وعندما قلت ان الاحقية الوحيدة هي احقية الكفاءة، لم يكن قد ذكر بعد اسم الدكتور موسى. وكنت قد «رشحت» وزير خارجية مصر لهذا المنصب قبل اشهر طويلة، كما كنت قد كتبت هذه الزاوية عنه وعن ألمعيته الدبلوماسية عندما اعيد تشكيل الحكومة المصرية الحالية.

وظهر الخميس ايضاً كنت مدعواً الى غداء مع الامين العام الدكتور عصمت عبد المجيد، لكنني اعتذرت. فالمواقف المحرجة تحرجني. ولم ارد ان اصافح عند الظهر رجلاً انتقدت مؤسسته في الصباح. ولا ان اعتذر عن قناعة هي في الحقيقة قناعة جميع الناس. غير انني اتساءل، وبكل صدق وكل قناعة، ان كان قرار ترشيح عمرو موسى لامانة الجامعة امراً صائباً حقاً. اذ بقدر ما سيكون الرجل مكسباً للجامعة بقدر ما سيكون خسارة للدبلوماسية المصرية. وعندما كتبت عنه المرة الماضية قلت انه اعاد الى ذاكرة المصريين والعرب دبلوماسية الدكتور محمود فوزي، وان يكن بحيوية اكثر وطلاقة اشد وبعد سياسي عميق.

جاء عصمت عبد المجيد الى الخارجية المصرية من رئاسة الوفد المصري لدى الامم المتحدة حيث خلفه عمرو موسى. والآن يخلفه عمرو موسى في الجامعة فيما يرشح لخلافته سفير مصر في المنظمة الدولية. واعتقد ان الامم المتحدة هي «المدرسة» النموذجية لأي وزير خارجية. فهي المكان الوحيد الذي يمكّن الدبلوماسي العامل من الاطلاع على جميع قضايا العالم مرة واحدة، ومن التفاعل معها والتأثر بها. في حين ان سفارات العلاقات الثنائية تطلع الدبلوماسي على قضايا حصرية او مجرد اقليمية احياناً.

لا ينقل عمرو موسى الى الجامعة فقط خبرة دبلوماسية مشهودة بل هو سيعطي المنصب بعداً سياسياً وقومياً واضحاً. فهو في المرحلة التي قضاها وزيراً لخارجية مصر لم يكن مجرد مدير للدبلوماسية المصرية بل كان ايضاً شخصية سياسية في النظام، لها احترامها في العالم العربي ولها شعبيتها في مصر. وفي الحالتين كان حضور الرجل ونبضه ووضوحه، العنصر الاساسي في شخصيته وفي سمة العقد الذي امضاه وزيراً للخارجية.

كان عصمت عبد المجيد هو الذي بدأ باعادة الدبلوماسية المصرية الى العالم العربي بعد قطيعة كامب ديفيد، لكن عمرو موسى هو الذي اعادها ايضاًً الى النبض العربي العام. وقد بدا العمل الدبلوماسي معه دوام الوقت، مهمة لا وظيفة، وخطاباً سياسياً لا مجرد سياسة مرسومة. على ان الامانة العامة للجامعة تظل برغم ذلك كله تحدياً مشهوداً: تحدّ اداري وسياسي ووظيفي وحياتي ووجودي.

اول وجوه هذا التحدي، ان تعود الجامعة الى العرب، كل العرب. وان يدرك الجيل الجديد من العرب، في كل بلد عربي، انها مؤسسة تبقى لتعمل وليس تعمل لتبقى. وان تفرض الجامعة جدواها وضرورتها على الدول الاعضاء، ليس فقط من خلال الامين العام والامانة العامة، بل ايضاً من خلال ما يتفرع عنها من مؤسسات وانشطة وحركة وحيوية وحضور. واذا كانت الظروف والمرحلة قد حرمت عصمت عبد المجيد من تحقيق عملية الاصلاح والاحياء، فإن وجود الجامعة نفسه مطروح على المحك مع عمرو موسى. وسوف يتحقق الكثير تلقائياً اذا استطاع ان يجعلها في حيويته وحضوره.