من الثنائي كلينتون ـ باراك إلى الثنائي بوش ـ شارون

TT

لا اعرف بالضبط الدافع الذي يجعلني حذراً من الثنائي بوش ـ شارون، كما كنت حذراً من الثنائي كلينتون ـ باراك.

في المنطق، يفترض بجورج بوش ان يكون اقل انحيازاً من بيل كلينتون حيال اسرائيل، وان يكون ارييل شارون أبعد بكثير عن الولايات المتحدة من ايهود باراك، وبالتالي فإن التقارب الأميركي ـ العربي سيكون متاحاً أكثر في ظل جورج بوش في واشنطن، وارييل شارون في تل ابيب.

في الواقع، اخشى ان نكتشف مع الوقت ان الثنائي بوش ـ شارون بالنسبة للعرب يشبه الثنائي كلينتون ـ باراك. وتحضرني في هذا السياق حادثة رواها ارييل شارون اثناء حملته الانتخابية إثر اعلان نجاح جورج بوش في رئاسة الجمهورية الأميركية ومفادها انه فيما كان يقوم مع جورج بوش في نزهة على متن طوافة فوق اسرائيل في عام 1998 قال له الرئيس الأميركي: «اتوقع ان يفوز كل منا برئاسة بلاده».

ويخيل إليّ ان العرب لم يخطئوا في الرهان على جورج بوش، لكن من المبكر معرفة ما اذا كان جورج بوش سيعيد التوازن الذي اختل في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في عهد بيل كلينتون. والسؤال الذي يلح عليّ هو: هل تبرؤ جورج بوش من مقترحات بيل كلينتون غايته تحسينها لصالح العرب أم التخلص منها لصالح اسرائيل؟

افهم بداية ان يضغط جورج بوش على العرب ليتقبلوا فوز ارييل شارون بهدف الحفاظ على حظوظ المفاوضات السلمية. ومن المفيد ان يقلل الرئيس الأميركي من مغالاة بعض العرب الذين ظهروا وكأنهم باتوا يعتقدون فجأة بأن ايهود باراك «داعية سلام» وارييل شارون «داعية حرب». والحقيقة ان ارييل شارون هو كذلك، اما ايهود باراك فلم يكن عند حسن ظن من تصوره «داعية سلام». في كل حال، المبالغة في التخوف من خطر ارييل شارون لا تسهل مهمة واشنطن اذا أرادت ان تتوازن، ولا يساعد الانتفاضة التي عزمت على المواجهة.

من هذه الزاوية، ومن هذه الزاوية فقط، ارى من الطبيعي ان يسارع جورج بوش إلى اجراء الاتصالات بالقيادات العربية، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني، ليطلب منهم منح ارييل شارون «فرصة» ريثما ينتهي من تشكيل حكومته. كما ارى من الطبيعي ان يستجيب ياسر عرفات للطلب الأميركي فيجري اتصالاً برئيس الحكومة الاسرائيلية المنتخب يعرب له فيه عن رغبته بلقائه واستكمال المفاوضات معه فور انتهائه من تأليف الحكومة وبمعزل عن شكلها وتركيبتها.

لكني أدعو إلى متابعة جولة وزير الخارجية الأميركي كولين باول على بعض دول المنطقة في نهاية الأسبوع المقبل بكثير من التأني، فهي الاختبار الأول للإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط. وتكتسب هذه الزيارة أهمية مضاعفة لأنها تتم عشية انعقاد القمة العربية المرتقبة في عمان والتي نتوقع لها أن تتبنى قرارات تدعم الانتفاضة الفلسطينية وتتشدد حيال طروحات ارييل شارون.

قد يسعى كولين باول خلال جولته إلى التخفيف من حدة هذه القرارات المحتملة بحجة أن الإدارة الأميركية الجديدة أسقطت «خطة كلينتون» للسلام، لكنها لم تنضج بعد خطة بديلة، وأن حكومة ايهود باراك المستقيلة أسقطت «اتفاقات طابا»، لكن حكومة ارييل شارون تحتاج إلى «فرصة» لصياغة مقاربة جديدة لمسار التسوية، وتحديداً للمسار الفلسطيني.

ولكن اخشى ان تخفي جولة كولين باول هدفين اميركيين أساسيين: تجميد الانتفاضة وتشديد الحصار على العراق. وقد يكون الهدف من تجميد الانتفاضة ليس فقط افساحاً في المجال أمام الحكومة الاسرائيلية لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني، بل أيضاً أفساحاً في المجال أمام الإدارة الأميركية لاطباق حصارها على النظام العراقي.

من المهم ان يستنبط القادة العرب من رئيس الديبلوماسية الأميركية جوهر الموقف الأميركي الجديد: هل واشنطن مهتمة بالنزاع العربي ـ الاسرائيلي أم بالحصار على العراق؟ وهل تريد ان تعيد قنوات الحوار بين العرب وإسرائيل لإيجاد تسوية سلمية أم لإخماد الانتفاضة الفلسطينية؟ على هذه الأجوبة يتوقف الموقف العربي ومصير التسوية في الشرق الأوسط.

وقد يكون موضوع استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني هو المفتاح لتقويم موقف الإدارة الأميركية الجديدة. هل سيشجع كولين باول ياسر عرفات على الدخول في مفاوضات مع ارييل شارون من دون التوقف عند النقطة التي تبدأ منها المفاوضات، سواء أكانت عند النقطة التي انتهت اليها «مفاوضات طابا» أم من النقطة التي سبقتها أم من نقطة الصفر؟ وهل يهم واشنطن أن يتم استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني وأن تتواصل ولو من دون التوصل إلى أي نتيجة؟ بمعنى آخر، هل تنظر الديبلوماسية الأميركية إلى موضوع استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني ومن بعده على المسارين السوري واللبناني بقصد التوصل إلى تسوية سلمية، أم منعاً لأي تصعيد في المنطقة من شأنه أن يخرج عن دائرة السيطرة؟

واذا ما حاول وزير الخارجية الأميركية العمل باتجاه تجميد الانتفاضة من دون مقابل، وتشديد الحصار على العراق من دون مبرر، واستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني من أي نقطة كانت، يكون كمن قرر منذ البداية الانحياز إلى اسرائيل والعودة إلى سياسة الثنائي كلينتون ـ باراك. ولا اتصور أن احداً من العرب قادر على ان يتحمل «احتواء مزدوجاً» للانتفاضة والعراق في ظل تصعيد اسرائيلي يرفض الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ويهدد مناطق السلطة الفلسطينية وقيادييها.

ولا ينحصر الأمر بالمسار الفلسطيني، ففي سوريا قناعة راسخة بأن فرصتها في استعادة الجولان هي في تحقيق الانتفاضة اهدافها في قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وفي لبنان قناعة مماثلة بأن فرصته في الحؤول دون توطين الفلسطينيين فوق أرضه هي في تحقيق الانتفاضة أهدافها، بما فيها ضمان حق عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم. وكل مشاركة اميركية في اخماد الانتفاضة في المطلق تفقد كلا من سوريا ولبنان فرصته في تأمين مصالحه وحقوقه المشروعة.

من هذا المنظار أخشى أن تتدرج مواقف إدارة جورج بوش من محاولة لردم الهوة بين العرب وارييل شارون إلى ما يشبه الانحياز إلى اسرائيل، ونمسي مجدداً أمام واقع أميركي لم يتبدل من الثنائي كلينتون ـ باراك إلى الثنائي بوش ـ شارون.

ولو اردت ان اعبر عن كل ما يختلج في نفسي من حذر لقلت بأن الثنائي القديم كان أقرب إلى الضعف منه إلى القوة، في حين ان الثنائي الجديد قد يكون على الأقل في انطلاقته أقرب إلى القوة منه إلى الضعف، وهو في كل حال أقرب إلى استخدام القوة والعنف لفرض إرادته.

وما يقلقني هو الخطاب المشترك بين واشنطن وتل ابيب. إدارة جورج بوش تأخذ على إدارة بيل كلينتون أنها لم تنجح في حماية المصالح الأميركية في العالم، وارييل شارون يأخذ على ايهود باراك أنه كاد يفرط بمصالح إسرائيل.

وبحجة حماية المصالح، ترى العالم مقبلاً على متغيرات كبيرة وتحديداً في الشرق الأوسط.