فساد يزكم الأنوف.. وحاميها يعوق العدالة

TT

أبلغ السناتور نورم كولمان، رئيس اللجنة الفرعية الدائمة للتحقيقات في مجلس الشيوخ، لو بوبس في محطة «سي أن أن»، قائلا: «انا غاضب لأننا نكتشف تدخل الأمم المتحدة في التحقيق الذي نجريه عبر ابلاغ أشخاص معينين بعدم التعاون معنا».

وكرر كولمان رد فعله الحاد على الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان قائلا إنه يتدخل في سعينا الى الحصول على المعلومات التي نحتاجها حول فضيحة النفط مقابل الغذاء.

والى ذلك كشفت جوديث ميلر في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام ان السناتور الجمهوري من مينيسوتا، برفقة الديمقراطي كارل ليفن، وجها رسالة تشير الى مماطلة أنان لفترة أربعة اشهر وأن «الأمم المتحدة تعوق الجهود للحصول على الوثائق ذات الصلة».

ولو أن المحققين الشرعيين كانوا وكلاء نيابة لكانت اللعبة التي يمارسها أنان وأتباعه قد سميت «اعاقة العدالة».

وللعلم فهيئة التحقيق الرئيسية في مجلس الشيوخ ليست هيئة عاجزة، لأنه وفي يوم الاثنين المقبل سيقدم شهود من وزارة الخزانة ووكالة المخابرات المركزية وكذلك محققوها الخاصون، أدلة على أن الأموال الهائلة التي حصل عليها صدام حسين، ارتباطا بفساد مسؤولين في الأمم المتحدة، وشركات كانت تعمل بحماية أعضاء في مجلس الأمن الدولي مثل روسيا وفرنسا، كانت أكثر من 10 مليارات دولار بتقديرات مكتب المحاسبة الحكومي سابقا. واذا ما عدنا الى عام 1991، والوضع الذي سبق اتفاقية النفط مقابل الغذاء، فإن الأرباح الناجمة عن سوء ادارة الأمم المتحدة، وفقا لمصدر أجنبي، وصلت الى 23 مليار دولار.

ومثل هذا الانفاق الهائل يؤثر على التصويت في الأمم المتحدة.

وسيطلب مجلس الشيوخ، كما تبين ذلك بمعطيات الأسبوع الحالي، أدلة عبر الصلات الأميركية من شركات التفتيش عن السجلات في لويدز، التي أبعدها بول فولكر، مستشار أنان، عن التعاون حتى الآن. وهناك خيار الميزانية: فإذا ما اصرت الأمم المتحدة على الاعاقة، فإن بوسع الولايات المتحدة أن تعيد النظر بمساهمتها في مالية المنظمة التي لا تخضع لحساب.

ولكن الكونغرس لا يعتمد على لجنة في الكونغرس وحدها، ففي مجلس النواب تدير لجنة العلاقات الدولية التي يترأسها هنري هايد جلسات استماع في غضون هذه الأحداث. وعلى الرغم من أنه سيكون هناك تداخل فإن تشارلز دولفير سيكون مشغولا في تقديم شرح مفصل لقسم النفط مقابل الغذاء من تقريره لوكالة المخابرات المركزية الأسبوع الحالي، فيما كان التركيز على ملاحقة الأموال غير المشروعة عبر النظام المصرفي.

وقد تعاون مصرف بي أن بي باريباس الأوروبي الذي يتطلع الى التوسع في الولايات المتحدة من خلال «التعاون الودي في تقديم المعلومات»، التي لم يكن لمساعدي أنان ايقافها عبر «رسائلهم التي سعت الى كم الأفواه». وسيقدم مسؤولوه الحاليون والسابقون شهاداتهم حول آلاف الاعتمادات المصرفية.

ولكن ماذا بشأن القواعد التي تقول «اعرف زبونك؟»، وماذا يعرف مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) حول الاجراءات المصرفية القذرة، وكم من الوقت يتطلب الأمر بالنسبة لأولئك المعنيين بالضوابط لوضع البنوك المشتبه فيها تحت المراقبة؟ وربما كان لدى هربرت بيرن من مجلس الاحتياطي الفيدرالي ما يوضحه حول اخفاق الرقابة المالية والدبلوماسية.

من هنا واذا ما استمرت الأمم المتحدة في وضع العراقيل خلال هذا الأسبوع، فإن صبر هايد يمكن أن ينفد في نهاية المطاف. فهو يعرف، وكرئيس سابق للسلطة القضائية، اشياء حول الأفعال الجنائية. فإن مثل هذه الأفعال التي تجري من جانب مصرفيين او وسطاء أو متعاقدين من مفتشي الأمم المتحدة ستحظى في النهاية بأعلى مستوى من الاهتمام من جانب وزارة العدل، حيث يلاحق المدعون الأميركيون شركات النفط الأميركية للحصول على معلومات مفيدة عن العائدات التي تلقاها صدام حسين. ويشار هنا إلى أن بينون سيفان، الساعد الأيمن لكوفي أنان لفترة طويلة، قد ترأس مكتب الأمم المتحدة للبرنامج العراقي، وقد تقاعد، ولكنه ظل ينفي ارتكابه اخطاء منذ، تردد اسمه على قائمة المستفيدين من هبات صدام حسين بصيغة صفقات كوبونات نفطية.

وتحظى اعاقة أنان للتحقيقات الخارجية بدعم قوي في اطار اعضاء الأمم المتحدة، ممن يحتمل ان يلحق ضرر بمواطنيها بسبب الكشف عن الصفقات، وبين هؤلاء روسيا وفرنسا والصين في الطليعة.

وتقديري أن كوفي أنان قد واصل وقوفه الى جانب مصالح تلك الدول مع هذه القضية عبر الاعلان بأن إطاحة صدام حسين «غير شرعية»، فيما أدان مؤخرا هجومنا الأميركي على المتمردين في الفلوجة. وربما يعتقد أنان ان هذا الالتقاء مع تلك المصالح القومية لتلك الدول عبر غطاء معين، مع عدم استعداد معظم وسائل الاعلام للبحث في قصة معقدة، سيوفر النجاح للعراقيل التي يضعها. وله أقول هنا انه لا يأخذ بالحسبان الاهانة الموجهة الى الكونغرس.

وأخيرا، فمن المحزن أن نرى اساءة استغلال الأمين العام لبول فولكر. فهنا نجد مصرفيا سابقا واثقا بسمعته التي حصل عليها بعمله الدؤوب، والثابت انه لا يريد أن يراها تتمزق بأيدي شبكة من اللصوص والبيروقراطيين الذين يستميتون لحماية الرجل الجالس في القمة، والذي يحتم عليه الواجب حماية التحقيق المستقل حقا.

* (خدمة ـ «نيويورك تايمز»)