العودة وحديث الجبة

TT

كل من قرأ التاريخ الاسلامي يعرف حديث الإفك، رمز الاشاعة البذيئة يوم لاكت الالسن سمعة أم المؤمنين عائشة، ودخلت تلك الاشاعة القرآن والقانون واخلاقيات الاسلام، وصارت حكما في ضوابط علاقات المجتمع، بالتأكيد على حماية حق الانسان في صيانة سمعته، ونهي الفرد عن الطعن في عرض الآخرين ولوك سمعتهم.

وعندما غاب ابن الداعية السعودي المعروف سلمان العودة في الصحراء، في الجبة، هو الآخر صار محل لوك الالسن التي أشاعت ان الشيخ حال بين ابنه ورغبته في الجهاد في العراق، حيث استنجد الأب بالحكومة للبحث عنه واعتقاله.

هذه هي القصة التي شاعت واختلف الناس حولها بين مصدق قابض على دليل آخر يؤكد ان هؤلاء المشايخ الجدد ليسوا إلا لاعبي سياسة، وبعض اعتبرها وسوسة سياسية، وهتكا متعمدا لسمعة شيخ معروف بتبنيه للمواجهة ضد الاحتلال ومع الجهاد.

ونحن مع الشيخ نقول ان هذا افك مبين، راضين بروايته، ولم يكن هناك مشروع جهاد، ولا ابنه كان في طريقه للعراق، ونقر بان موقف الشيخ الحقيقي هو ضد جهاد السعوديين في العراق. لا أحد عاقلا يريد ان يجادل في السرائر، لكن حديث الجبة فتح، بحكم الظرف والزمن والرجل، قصة الموقف حيال مقتل الآلاف من ابناء الناس الآخرين في ما سمي بالجهاد.

فتحت الحادثة الصغيرة عيون الكثيرين على الجدل الذي لم يسمح له بالنقاش الموضوعي في مجتمع صار مشهورا بتزويد العالم بالانتحاريين وعسكر الحروب في آسيا الوسطى وغرب آسيا وغرب اوروبا وشمال افريقيا. هذه المئات او الالاف، كما يؤكد مطلعون، الذين يرحلون كل سنة لما يسمى بالجهاد، مسألة خطيرة لا ينبغي السكوت على مجنديها او محرضيها او مؤيديها. هذه جرائم كبيرة في حق المجتمع تدار باسلوب فكري وتنظيمي وتمول بالمال وتدعم علنا بالدعاية الصحافية والإنترنتية وسرا في المدارس والمساجد.

الشيخ العودة لم يخطئ لان خوفا داخله على ابنه من الذهاب للجهاد، بل هو شعور يمثل قمة الأبوة وفيه منتهى المسؤولية كداعية واجبه توجيه المجتمع، لكن لسوء حظه صار الحادثة المنتظرة. واذا لم يكن هناك بالفعل جهاد بل استقصاد مغرض فان الحادثة، كما في قصة أم المؤمنين، تظل مهمة في النقاش والتوجيه والاعتبار أيضا. ماذا عن ذوي الكثيرين الذين فقدوا ابناءهم في حروب مزورة باسم الجهاد؟ ألا يستحقون مراعاة مشاعرهم، وألا يستحق بقية الآباء حماية ابنائهم من حديث الكره ودعاوى الحرب والجهاد. هنا يأتي دور دعاة واباء يجب ان يقفوا ضد حديث الجهاد المزور. فهؤلاء الاباء لا يعرفون كيف يمنعون ابناءهم فكرا وعملا. هنا ايضا واجب داعية كالعودة ألا يوقع على بيان يحرض على حرب في بلد لا يدري عن حقيقتها الا ما يقرأه وهو يشرب كأس شاي مع رفاقه ويتفرج على المحطات الفضائية على بعد ألف كيلومتر. عليهم ان يكفوا عن تحريض ابناء العراقيين، لا ابناء بلدهم فقط، على القتال في حرب حصدت ارواح الآلاف من الشباب، الذين مثل ابناء الشيخ العودة، لهم من ينتظرهم في بيوت والديهم.

[email protected]